تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبتأمل مواطن تعدية الدخول بعلى في القرآن الكريم نجد له الدلالة التي ذكرناها آنفا في قوله تعالى (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) [آل عمران 37]. فعلى بدلالته على الاستعلاء يشير إلى ارتفاع المكان الذي فيه مريم عليها السلام وعلوه وقد نصّ المفسرون على أن زكريا عليه السلام بنى لها محرابا في المسجد أي غرفة يصعد إليها بسلم /5/.

أو أن (على) توحي بمشقة زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير في الوصول إليها، ومعاناته في كفالته لها، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه. ولنفس الغرض جاءت (على) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام في أربعة مواطن /6/، منها قوله تعالى (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) [يوسف 58]، وقوله تعالى (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ) [يوسف 69]، فهي تدل على ارتفاع مكان يوسف وعلوه، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه والدخول عليه.

أما (على) في قوله تعالى (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) [المائدة 23] فإن الاستعلاء فيها مع دلالته على علو مكان العدو يدل على التمكن والقهر والغلبة، وهو في الوقت نفسه يطالب المخاطبين بمزيد من التحمل والصبر على ملاقاة هؤلاء الأعداء.

وقد كشف السياق عن رغبة هذين الرجلين اللذين أنعم الله عليهما في تشجيع قومهما على قتال العدو من خلال التعبير بحرف الاستعلاء ومن خلال تأكيد وعدهما لهم بالفوز والغلبة (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ) على العدو بقولهما كما حكاه القرآن وهل كنت تجد هذه المعاني والدلالات التي يشيعها حرف الاستعلاء في سياقاته المختلفة لو قيل: إن (على) بمعنى (من) في قوله تعالى (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَاب) أي ادخلوا من الباب أو أنه بمعنى (إلى) في قوله تعالى (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُف) أي ولما دخلوا إلى يوسف؟

وحين تعدى بفعل الدخول (في) دل حرف الظرفية على التمكن والاستقرار كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة 208].

ذهب المفسرون إلى أن المراد بالسلم الإسلام /7/، ومعنى الدخول في الإسلام كما يكشف عنه حرف الظرفية زيادة التمكن منه والتغلغل في فهم شرائعه وأحكامه، كما أنه يوحي بأن الإسلام حصن منيع للداخلين في كنفه يحيط بهم من جميع الجوانب كإحاطة الظرف بمظروفه /8/ ونظيره قوله تعالى (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) [النصر 2] وفي قوله تعالى (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر 29 - 30] ونظائرها كما في قوله تعالى (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل 19]، وقوله تعالى (ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ) [الأعراف 38].

ذهب كثير من المفسرين والنحويين إلى القول بتناوب حروف الجر بعضها مكان بعض، وأن (في) بمعنى (مع) وفي هذا الصدد يقول الهروي:" وتكون أيضا بمعنى (مع) قال جل ثناؤه (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) ومعناه مع عبادي، وقال (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) /9/.

وغير خاف أن القول بتناوب حروف الجر لا يكشف عما تومض به حروف الجر من المعاني والأسرار في البيان القرآني لأنه ليس إلا محاولة لإيضاح المعنى وبيانه وليس مستساغاً أن يقال باستواء الحرفين دون أن تكون لأحدهما دلالات بلاغية ينشرها على السياق، نرى البليغ من أجلها يؤثر في كلامه التعبير بأحدهما دون الآخر، فما بالك بالبيان المعجز. وفي إيثار القرآن التعبير بحرف الظرفية دون كلمة المصاحبة (مع) من الأسرار البلاغية التي لا تستطيع الوفاء بأدائها كلمة المصاحبة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير