9 - حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى? فِيهَا تَصَاوِيرَ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ «قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقوا ذَرَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً».
ان هذه الاحاديث تربط بشكل واضح بين تصوير الاصنام وبين عملية الخلق, ومن ثمّ فان المصورين سوف يطالبون يوم القيامة باحياء ما خلقوا او بنفخ الروح فيما خلقوا. هذا هو الفهم الظاهري من الاحاديث وقد جاء في نيل الاوطار للشوكاني ما نصه:" وإنما كان التصوير من أشد المحرمات الموجبة لما ذكر لأن فيه مضاهاة لفعل الخالق جل جلاله ولهذا سمى الشارع فعلهم خلقا وسماهم خالقين" (نيل الاوطار2/ 97) ... ونلاحظ ما يلي:
1 - لا توجد أي عقيدة من عقائد المسلمين ربطت بين التصوير والعقيدة؛ بل كل الاعتقاد ان التصاوير التي تتخذ آلهة تعتبر شركا بالله، اما ان التصوير بحدّ ذاته هو عملية تحدّ للخالق ومضاهاة لفعل الخالق, فهذا لم يذكر في كتب العقائد ولم يتمّ التنويه اليه حتى. وذلك مؤداه, ان موضوع التصوير عمليا لم يطرح على مستوى الارتباط بالعقيدة من حيث فعل التصوير.
2 - لم تأت كتب السير والتاريخ على ان المجتمعات الجاهلية كانت تقوم بصنع التماثيل من اجل تحدّ فعل الخالق, او الاتيان بمثل ما جاء به الخالق. وانما ما هو متفق عليه في هذه الكتب ان التماثيل كانت تصنع لتعبد من دون الله, وتتخذ هي نفسها الهة من دون الله. اما فيما يتعلق بعملية الخلق فكان القرآن واضحا في ان كفار مكة ومشركيها يقرّون بأن الخالق هو الله سبحانه وتعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله}. يضاف الى ذلك ان القرآن تحدى مرارا وتكرارا هذه الاصنام ان تخلق شيئا:
- {انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (الانبياء 98)
- {ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} (الرعد 16)
- {أروني ماذا خلقوا من الارض} (فاطر40) (الاحقاف 4)
- {ايشركون ما لايخلق شيئا وهم يخلقون} (الاعراف 191)
- {ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} (الحج 73)
- {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} (الفرقان 3)
- {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} (النحل 20)
- {قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده} (يونس 34)
- {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} (لقمان 11)
اما فيما يختص بصانعي الاوثان, فان القرآن كان يقصر التأنيب بالافتراء على الله {ان هي الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان}. يضاف الى ذلك ان المتتبع لحوارات الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين لا يعثر على نص حواري دار بين الرسول عليه السلام والمشركين على هذا المستوى, أي الاحتجاج بمضاهاة خلق الله.
3 - ذهب ابن عباس رضي الله عنه الى اباحة تصوير ما ليس فيه روح استنادا الى الحديث الذي يكلّف المصورين بنفخ الروح فيما يصوّرون, فهو – رضي الله عنه – يرى ان تصوير ما ليس له روح لا يوقع المصوّر في الحرج. غير ان الحديث يتكلم عن تحدّي المصورين ان يخلقوا حبة, وهو ما ليس فيه روح, ولو كان الامر متعلقا بنفخ الروح لكان الطلب هو ان يخلقوا كائنا صغيرا حيّا وليس حبة. واني اعجب لمن حمل معنى حبة في هذا الحديث على ما له روح كمهرب من هذا السؤال ... ان العجب اشد العجب هي الرخصة التي يظن البعض انه يمتلكها في لوي عنق النصوص كما يريد حتى ولو خالف بديهيات اللغة من اجل ان يثبت وجهة نظره
¥