وهو ما نبه عليه القرآن الكريم, كما انه من حيث الواقع المعاش, ادى الى انشاء حركة سوق وهمية حيث تباع منحوتات ورسومات بمبالغ خيالية.
لا يقصد من هذا الكلام القول بان الترف حرام او هو مكروه كراهة تنزيهية؛ ان الامر يتعلق بطبيعة النظرة التي نتفحص من خلالها السنة النبوية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال سنته يستشرف الخطر الذي ستقع فيه الامة حين تغدق عليها الاموال لذا كان يؤكد من خلال سنته على التنبيه على خطورة الترف على المجتمع؛ جاء في صحيح البخاري: "فواللهِ ما الفقرَ أخشى? عليكم، ولكني أخشى? أن تُبسطَ عليكم الدُّنيا كما بُسِطَت على من كان قبلكم، فتَنافسوها كما تَنافسوها، وتُهلككم كما أهلكَتهم». لقد استشرف الرسول صلى الله عليه وسلم هلاك الامة حين تغرق في الإسراف ومنافسة الدنيا, لذا نرى ان الامر اعظم من ان يوضع في مقام الكراهة التنزيهية. وان استقراء بسيط لما حدث في بداية التدفق المالي الذي بدأ في اواخر ايام عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي كان من اولى نتائجه مقتل الخليفة عمر بن الخطاب ليرينا بوضوح دلالات حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام. ان الترف هو ظاهرة اجتماعية تتشكل ليصبح لها مؤسسات ونواب وسلطة وسوق وجيش: انه ببساطة يصنع وهما يشكّل من خلاله مصالح جديدة للناس وتربطهم بها.
جاء في التفسير الكبير للامام فخر الدين الرازي في معرض حديثه عن قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور} (سبأ 13):" لما قال عقيب قوله تعالى {ان اعمل سابغات} اعملوا صالحا, قال عقيب ما يعمله الجن {اعملوا آل داود شكرا} اشارة الى ما ذكرنا ان هذه الاشياء حالية لا ينبغي ان يجعل الانسان نفسه مستغرقة فيها وانما الواجب الذي ينبغي ان يكثر منه هو العمل الصالح الذي يكون شكرا, وفيه اشارة الى عدم الالتفات الى هذه الاشياء, وقلة الاشتغال بها كما في قوله {وقدر في السرد} أي اجلعه بقدر الحاجة." (ج25 ص213)
وقد قال البعض قولا عجيبا في قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} فذكروا ان هذا شرع من قبلنا, فهو منسوخ بشرعنا .. وهنا نسأل: هل يستقيم هذا القول ان كانت العلّة التي يراها هي مضاهاة خلق الله؟؟؟؟؟ فهل تنسخ شريعتنا, حسب فهمه, عقيدة الشرائع السابقة ايضا؟؟؟؟ ثم قال آخرون بان التماثيل هنا هي التماثيل التي لا روح لها .. وهذا قول بحاجة الى اثبات والاّ فهو مجرّد رجم بالغيب ..
في الكتب التي تشتغل بتعريف الحضارة, تأخذ الحضارة العمرانية حيّزا لا بأس به. ويذهب بعض الكتّاب الى ان الحضارة العمرانية هي اكثر المظاهر التي تعبّر عن رقي حضارة معينة.
وليس بالمستهجن ان يأخذ البناء والعمران اهمية كبرى عند الحديث عن الحضارات التي غاب فيها مفهوم الانسان غيابا شبه كامل. ان الاهرامات المصرية بما تمثّله من فن رائع وعبقرية علمية هندسية عالية تستدعي في الذهن من جانب آخر الصورة المرعبة لآلاف من العبيد وهم يحملون الاحجار لبناء هذه الحضارة الضخمة. ان الجانب المسكوت عنه في صورة الحضارة الفرعونية التي تمثّلها الاهرامات هو جانب سيء جدا يتلخص في استعباد عدد هائل من الناس وحرمان عدد آخر. ان كل مشهد عمراني بهذه الضخامة يستجلب في الذهن بالضرورة صورة حرمان وفقر عانى منها جزء لا بأس به من الناس؛ لذا فانه ليس فخرا للمسلمين ان يتغنوا بآثار لقصور خلفاء, ولا ببذخ على مسجد أثري.
5 - لقد ورد عند بعض اصحاب السنن ان عدم دخول الملائكة الى بيت فيه تماثيل او كلب انما هو مقصور على النبي صلى الله عليه وسلم, لذا فهو خاص بالنبي وليس عاما للمؤمنين، وفي هذا وجهة نظر حيث انه لو كان عاما لكل البيوت لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة ان تنزع التصاوير, لكنه اقتصر على الرجوع.
6 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي (البخاري)
جاء في فتح الباري لابن حجر العسقلاني:"أخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر " فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت: " فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب فقال: ما هذا يا عائشة، قالت: بناتي.
قالت: ورأى فيها فرسا مربوطا له جناحان فقال: ما هذا؟ قلت فرس.
قال فرس له جناحان؟ قلت: ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة؟ فضحك " فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات." (فتح الباري)
لقد مثّل هذا الحديث احراجا لمن قال ان العلة في التصوير هي مضاهاة خلق الله لأن هذه العلّة لا تنتفي بأي حال من الاحوال عن العاب الصغار. لذا ذهب البعض الى كراهية لعب الصغار التي على اشكال تماثيل ولا معنى لهذه الكراهية مع بقاء العلة التي ادعوها. وذهب آخرون الى امر غريب وهو ان هذا الحديث منسوخ, وان لعب الاطفال من التماثيل محرمة ايضا. وهذا الكلام بحاجة الى اثبات قبل الردّ عليه.
تجدر الاشارة هنا الى ان هذا الحديث كما هو مذكور وقع بعد غزوة تبوك او خيبر, وغزوة خيبر كانت في السنة السابعة هجرية اما غزوة تبوك فكانت في السنة الثامنة هجرية, أي ان عائشة رضي الله عنها كانت قد بلغت حينئذ ما يقرب 15 او 16 سنة أي انها تجاوزت مرحلة الطفولة وكانت لا تزال تحتفظ بالالعاب.