تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك، جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤدّاه وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر. ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت. حتى أنّ من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: هو جواد. ومنه قول الله عز وجل:

{وَقَالَتِ ?لْيَهُودُ يَدُ ?للَّهِ مَغْلُولَةٌ}

[المائدة: 64] أي هو بخيل،

{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان}

[المائدة: 64] أي هو جواد، من غير تصوّر يد ولا غل ولا بسط، والتفسير بالنعمة والتمحل للتثنية من ضيق الطعن والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام.

ماذا قال ابن المنير؟

سكت ولم يعقب .... والأعجب في المسألة أن الزمخشري أنهى كلامه بلمز قبيح لخصومه الأشاعرة واتهمهم بجهل علم البيان وأنهم مسافرون عنه مسيرة أعوام!!!!

ومع ذلك لم يتحرك ابن المنير لنصرة الأصحاب ....

المثال الثاني:

عند تفسير آية: {وَ?لأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ ?لْقِيَـ?مَةِ وَ?لسَّمَـ?و?تُ مَطْوِيَّـ?تٌ بِيَمِينِهِ} دشن الزمخشري-رحمه الله- منهجا خطيرا في التعطيل ..... فقد ابتدع في البيان وجها من الاستعارة هي الإستعارة المبنية على الكناية وسماها التخييل ..... ومقتضاها أنه لا يجوز فهم المفردات على حقائقها ولا أخذها على المعاني المجازية بل حسب المتلقي أن يفهم زبدة الكلام ومقصوده ثم لا يلتفت بعد ذلك إلى شيء من أجزاء الكلام فقد أصبحت في حكم ما يلقى من النفايات بعد استخلاص رحيقها أو عصيرها .....

قال:

لما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته وقدره في نفسه حقّ تقديره وعظمه حق تعظيمه قيل {وَمَا قَدَرُواْ ?للَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وقرىء بالتشديد على معنى: وما عظموه كنه تعظيمه، ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل فقال: {وَ?لأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ ?لْقِيَـ?مَةِ وَ?لسَّمَـ?و?تُ مَطْوِيَّـ?تٌ بِيَمِينِهِ} والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز، وكذلك حكم ما يروى:

(973) أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السم?وات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع و الثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن فيقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال ثم قرأ تصديقاً له {وَمَا قَدَرُواْ ?للَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ... الآية، وإنما ضحك: أفصح العرب صلى الله عليه وسلم وتعجب لأنه لم يفهم منه إلاّ ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هزّ ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه، إلا إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل، ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء، فإنّ أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الأقدام قديماً.

كيف رد ابن المنير على هذه الهجمة؟

قال أحمد: إنما عنى بما أجراه هاهنا من لفظ التخييل التمثيل، وإنما العبارة موهمة منكرة في هذا المقام لا تليق به بوجه من الوجوه والله أعلم .....

سبحان الله .... لم يأخذ عليه إلا المصطلح والعبارة الموهمة ..... فكأنه وافقه على الفكرة فلو تحاشى الزمخشري كلمة تخييل الشنيعة وجعل بدلها كلمة تمثيل اللطيفة لما وقع بأس ...

ثم اعجب لابن المنير وهو معدود من الحفاظ والمحدثين الذين اشتغلوا بصحيح البخاري وله كشف المتواري عن تراجم البخاري حلق به عاليا-نرجو من الله ان يضاعف له الجزاء على ما كتبه-

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير