الرسول لا تتعارض ولا بوجه من الوجوه مع مصداقية الرسالة الخاتمة, بل على العكس من ذلك ... ولقد حاول الكثيرون من مشركي مكة ان يجعل دائرة بشريته السوية صلى الله عليه وسلم محطّ تساؤل وتشكيك, فكانوا يتهمونه بالسحر والجنون والكهانة والشعوذة ... وكانوا يرون ان هناك من هو أحق منه بالرسالة {وقالوا لولا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} ...
والعجب ان تتحوّل بشرية الرسول من حجّة على الناس الى شبهة وطعن في الدين حين نحاول التأكيد على بشريته صلى الله عليه وسلم من جديد!
ان ما يميّز البشرية منذ بدء الخليقة, منذ آدم عليه السلام وحتى يوم القيامة هو صراعها مع ابليس الذي رفض السجود لآدم وتوعّد باغواء البشرية واخراجها عن طاعة الله ... فاذا كان شيطان الرسول قد اسلم فمعنى ذلك ان الرسول عليه الصلاة والسلام خرج من دائرة هذا الصراع ... وبذلك فقد الرسول صلى الله عليه وسلم اهم ما يميّز النبوة وهو ان يكون حلقة الوصل بين الوحي الالهي والتجربة البشرية ... فبخروجه عن ان يكون له شيطان, خرج عن ان يكون مثالا حقيقيا لتعامل الانسان مع وساوسه ونوازع الشر في داخله ... وبهذا تصبح الرسالة الخاتمة رسالة مثالية غير قابلة للتطبيق على النموذج الانساني والبشري حيث ان شخص النبوة احتاج الى تعديلات حتى استطاع ان يحمل اعباء تكاليفها ... وهذا بالتالي سيخوي الكثير من الايات القرآنية من مفاهيمها, وهذا ما حدث بالفعل ...... فالايات التي تتحدث عن وساوس الشيطان للرسول وجب صرفها بما يتوافق مع القول بأن الرسول معصوم حتى في خواطره وحديث نفسه ... غير ان الامر لم يقف عند هذا الحدّ حتى جاء الحديث {ولكن الله أعانني عليه فأسلم} ليقف في وجه الايات التي تقول ان للرسول ما يوسوس له كغيره من الناس: {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} و {واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}
ولنتمعّن الان في النصوص التالية:
1 - "جاء في شرح النووي: قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه." انتهى
ان اجماع الامة في هذا الامر لا يعتبر دليلا لأن هذا الكلام يتناول باطن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما ليس لأي انسان اليه سبيل الا ضمن ما اخبر الله تعالى به ... وان اخبار القرآن الكريم تفيد ان الرسول صلى الله عليه وسلم عرضة لوساوس الشيطان كغيره من الانبياء مثل آدم عليه السلام وكغيره من البشر بحكم بشريته: {وقل أعوذ بك رب من همزات الشياطين وأعوذ بك رب ان يحضرون} ... {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} ... وان هذا الكلام ليس فيه انتقاص للرسول او النبوة, بل هو تأكيد لما ذهب اليه القرآن الكريم: {قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ} غير ان اشكال المسلمين هنا هو انهم لم يفصلوا بين الوحي والرسول بل كانت هناك محاولات دائمة للقول بأن الوحي متلبّس بأفعال الرسول واقواله , ولمّا كان الامر كذلك اوجب عليهم القول بأن الرسول معصوم في اقواله وافعاله وتجاوز الامر الى خواطره ايضا ... وهكذا يصبح الرسول في صيغته الحقيقية, حسب وصفهم, يمتلك من البشرية فقط صورتها, وهذه الصورة يحرّكها وحي الله ... او بكلمة اخرى الرسول هو وحي يمتلك صورة بشرية!!
2 - جاء في تحفة الاحوذي:
(قال سفيان فالشيطان لا يسلم) يعني قوله فأسلم ليس بصيغة الماضي حتى يثبت إسلام الشيطان فإن الشيطان لا يسلم. قال في المجمع وهو ضعيف: فإن الله تعالى على كل شيء قدير، فلا يبعد تخصيصه من فضله بإسلام قرينه انتهى. قال ابن الأثير في النهاية: وما من آدمي إلا ومعه شيطان، قيل: ومعك؟ قال نعم. ولكن الله أعانني عليه فأسلم. وفي رواية حتى أسلم أي انقاد واستسلم وكف عن وسوستي. وقيل دخل في الإسلام فسلمت من شره، وقيل إنما هو فأسلم بضم الميم على أنه فعل مستقبل أي أسلم أنا منه ومن شره. ويشهد للأول الحديث الا?خر كان شيطان آدم كافراً وشيطاني مسلماً انتهى. قلت لو صح هذا الحديث لكان شاهداً قوياً للأول وإني لم أقف على سنده ولا على من أخرجه (تحفة الاحوذي)
يحتج هنا من يرفض رأي سفيان بردّ الامر الى قدرة الله تعالى وان الله قادر على ان يجعل شيطان الرسول مسلما ...
¥