تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ان الاستشهاد بقدرة الله عز وجل هنا لا معنى له ... ان صفات الله عز وجلّ واحدة, وان احدى مفردات العقم في فهم هذا الدين ان نظن ان قدرة الله قد تعمل بمعزل عن حكمته او صدقه او عدله ... ان جميع صفات الله هي واحدة لا تنفصم ... فقدرته تعالى لا تعمل بمعزل عن صدقه وعدله وحكمته ... فاذا سألنا: هل الله قادر على ان يدخل المؤمن النار ويدخل الكافر الجنة؟ للوهلة الاولى يبدو ان هذا السؤال يتعلّق بقدرة الله عزّ وجلّ, غير ان الامر ليس كذلك ... ان اي جواب على مثل هذه الاسئلة يجب ان تأخذ بعين الاعتبار صفات الله جميعا ... فاذا كان الله قد اخبر في كتابه بأنه سيدخل المؤمن الجنة والكافر النار وقال تعالى: {ومن اصدق من الله حديثا} , فانه لا يجوز ان نسأل سؤالا تكون فيه قدرته طعنا في عدله وصدقه ... فهذا من بديهيات العقل والحسّ السليم ... لذا نقول ان السؤال اعلاه وان كان ظاهره السؤال عن قدرة الله الا انه في حقيقة امره سؤال عن عدل الله وصدقه ايضا ... واني لا أرى ان الناس ترى فيمن يحاول ان يثبت قوته بقتل ابنه الا انسانا مجنونا اخرقا ... فلنتق الله ولنحسن أدب السؤال في ذات الله عز وجل ... لذا فانا نرى ان ما جاء في نص تحفة الاحوذي اعلاه من الاستشهاد بقدرة الله عز وجل لا تقوم به حجة لأن الله اخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة في القرآن {واما ينسينك الشيطان} {واما ينزغنك الشيطان} فهذا فيه من الحجة ما فيه امام من يقولون بأن شيطان الرسول قد أسلم ...

3 - جاء في فتح الباري:

قوله (وبطانة تأمره بالشر) في رواية الأوزاعي ” وبطانة لا تألوه خبالا ” وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وإن جاز عقلا، أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ولا يعمل بقوله لوجود العصمة، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله ” فالمعصوم من عصم الله تعالى ” فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه ... " انتهى

ان ما جاء في فتح الباري يردّه ما جاء في القرآن الكريم: {انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما} (النساء 105 - 107)

4 - قال تعالى: {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم} (الاعراف 200) وجاء في روح المعاني ج9 ص148: " والآية على ما نص عليه بعض المحققين من باب لئن أشركت ليحبطن عملك فلا حجة فيها لمن زعم عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وسوسة الشيطان وإرتكاب المعاصي" انتهى

ان هذا الاستشهاد لا تقوم به حجة لأن الله رتّب على الاشراك احباط العمل, بينما رتّب على نزغ الشيطان أمر الهي بالاستعاذة ... ويمكننا القول بأن الآية هي اولى بأن تكون من باب {واما تعرضن عنهمم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا} (الاسراء 28) فهذه الاية اقرب في تركيبها اللغوي من الاية التي استشهد بها في نص تفسير روح المعاني اعلاه ..

ما اروع السياق القرآني الكريم وهو يصهر شخص الرسول في الذين اتقوا حتى يكون لهم اسوة حسنة ... فبعد ان امر الله نبيّه بالاستعاذة من الشيطان {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم} (الاعراف 200) , يتجه السياق القرآني ليعمّم هذه الحالة على من تمسّك بتقوى الله {ان الذين اتقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون} (الاعراف 201) ... ان روعة الاسلوب القرآني تجعل من الرسول مثالا للتطبيق, ثم يأخذ بيد الرسول بسلاسة النص ليسلكه في منظومة المتقين ...

وجميل هو ما جاء في تفسير القرطبي: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال تلك محض الإيمان وفي حديث أبي هريرة ذلك صريح الإيمان والصريح الخالص وهذا ليس على ظاهره إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان لأن الإيمان اليقين وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم فكأنه قال جزعكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه لصحة إيمانكم وعلمكم بفسادها فسمى الوسوسة إيمانا لما كان دفعها والإعراض عنها والرد لها وعدم قبولها (القرطبي ج7 ص348)

واذا اردنا ان نضع النقاط الاخيرة في هذا الموضوع نقول ان حديث اسلام شيطان الرسول غير مقبول على الاطلاق حتى ولو ذهب البعض الى ان المعنى ان الرسول يسلم من الشيطان وليس معناه اسلام الشيطان لأن الحديث يحمل في بنيته مغايرة بين الرسول وغيره من الناس على هذا المستوى حيث جاء التعبير: " نَعَمْ. وَل?كِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى? أَسْلَمَ" ... فهذا التعبير يفيد ان الرسول مخصوص بعون الله على الشيطان ... الاّ ان يقال ليس هناك خصوصية, والمقصود ان من يتق الله يعنه الله في التغلّب على وساوس شيطانه ... على أيّ, ان السياق لا يوحي بهذا من بعيد او من قريب ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير