تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبهذا نعلم أن ما جاء في الآثار عن كثير من السلف أنهم كانوا يختمون في أقل من ثلاث ليس مشروعاً ولا مستحباً، بل هو خلاف المشروع، ويُمكن أن يجاب عن فعلهم هذا بأجوبة:

منها: أنه لم يبلغهم النهي عن ذلك.

ومنها: أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة ([18]).

ومنها: أنهم لم يحملوا النهي على المنع.

ومنها: أنهم خصصوا النهي بمن ورد في حقه، وقالوا: إن مقدار القراءة يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، والله أعلم ([19]).

وعلى كُلٍّ؛ فالذي لاينبغي الشك والامتراء فيه أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه هو القدوة والأسوة الحسنة لنا، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

فنحن متعبدون باتباع سنته وهديه، وقد قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه مسلم: ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان ([20]).

المسألة الثانية: هل يكون التحزيب بالسور أو بالأجزاء؟:

جاء في حديث أوس بن حذيفة الثقفي - رضي الله عنه - قال: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُحزِّبُون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده ([21]).

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذا الحديث واستدل به على أن الصحابة كانوا يحزبون القرآن سوراً تامة، ولايحزبون السورة الواحدة.

وذكر - رحمه الله - أن التحزيب بالسور أفضل وأحسن لوجوه:

أحدها: أن هذه التحزيبات المحدثة تتضمن في كثير من المواضع الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده، حتى إن بعض المواضع يكون الوقف على المعطوف دون المعطوف عليه، فيبدأ القارئ في اليوم الثاني بمعطوف كقوله تعالى في أول الجزء الخامس: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ} [النساء: 24].

وبعضها يتضمن الوقوف على بعض القصة دون بعض حتى إن بعض المواضع يكون الوقف فيها على كلام أحد المتخاطبين، ويكون الابتداء في اليوم التالي بكلام المجيب، كما في قوله تعالى في سورة الكهف في أول الجزء السادس عشر: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} [الكهف: 75].

ومثل هذه الوقوف لايسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي.

الثاني: أن المنقول عن الصحابة هو التحزيب بالسور لا بالأجزاء، كما في حديث حذيفة السابق.

الثالث: أن الأجزاء والأحزاب محدثة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما أحدثت بعد ذلك كما هو معلوم ([22]).

إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكرها - رحمه الله -.

وبهذا نعلم أن التحزيب بالسور هو المشروع وهو الأفضل والأكمل، سواء كان ذلك في القراءة أثناء الصلاة أو خارجها، والله أعلم.

* * *

الحاشية والتعليقات:


([1]) انظر: النهاية لابن الأثير 1/ 376، وسيأتي ذكر الحديث بتمامه - إن شاء الله - قريباً.

([2]) انظر: تحزيب القرآن وهدي السلف في ذلك لمحمد الدويش مقال في مجلة البيان، العدد 41 ص 62.

([3]) انظر: المرجع السابق ص 61، 62.

([4]) صحيح البخاري رقم [5054] ص 1002 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([5]) صحيح مسلم، كتاب الصيام رقم [1159] ص 448 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([6]) فضائل القرآن لابن كثير ص 249.

([7]) هذا الحديث ساقط من المسند المطبوع مع أن ابن كثير، والهيثمي في المجمع 2/ 268، عزوه إليه، وأخرجه أيضاً أبو عبيد ص 88 في فضائل القرآن.

والحديث قال ابن كثير عن إسناده: وهذا إسناد جيّد قوي حسن. انظر: فضائل القرآن لابن كثير ص 252.

([8]) سبق تخريجه قريباً بلفظ: {لايفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث}.

([9]) فضائل القرآن لابن كثير ص 256.

([10]) المرجع السابق ص 257، 258.

([11]) الهذرمة: - بالذال - السرعة في القراءة والكلام، يقال: هذرم وِرْدَه أي هذّه. مختار الصحاح مادة (هـ ذ ر م) ص 611.

([12]) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص 62. وانظر: كتاب الأذكار له أيضاً ص 138، 139.

([13]) شرح صحيح مسلم للنووي 8/ 293.

([14]) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 89، وذكر ابن كثير أنه أثر صحيح.

([15]) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 89، وذكر محقق فضائل القرآن لابن كثير بأن إسناده ضعيف. ص 308.

([16]) أخرجه الإمام أحمد 3/ 444 وقال أبو إسحاق الحويني، محقق فضائل القرآن لابن كثير: وسنده صحيح ص 256.

([17]) فضائل القرآن لابن كثير باختصار وتصرف يسير ص 254 - 256.

([18]) انظر: المرجع السابق ص 260.

([19]) انظر: هدي السلف في تحزيب القرآن: لمحمد الدويش في مجلة البيان، العدد 42 ص 51.

([20]) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل رقم [746] ص 293، 294 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([21]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب: تحزيب القرآن رقم [1393] 2/ 114 - 116، وأحمد في المسند 4/ 9، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب: في كم يستحب ختم القرآن رقم [1345]. وانظر: ضعيف سنن ابن ماجه رقم [283]، وقد احتج بهذا الحديث كل من شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 13/ 408، 409، وابن كثير في تفسيره 4/ 221. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية 2/ 280، وقال: وإسناده جيد.

([22]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - 13/ 410 - 412.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير