تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من أمثلة الاعتراض على ظاهر الحديث، والغمز بصحته قوله: «وما يروى من الحديث"ما من مولود يولد، إلا الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم،وابنها" فالله اعلم بصحته، فإن صح فمعناه أنَّ كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها، فإنهما كانا معصومين ... واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضربه بيده عليه» ‹12 ›.

من الواضح أن الزمخشري يطعن بهذا الحديث، ويستخدم منهجا آخر في العدول عنه، وهو منهج التأويل، فالحديث على فرض صحته كناية عن محاولات الشيطان للإغواء والإغراء، وبذلك يخرج من دلالة الحديث، ومن الملاحظ أيضا أن النص عاجز عن الوقوف أمام التأويل، مع العلم أن هذا الحديث صحيح لاغبار عليه ‹ 13›

هذا التأويل والخروج من ظاهر دلالة الحديث، يتنزل في إطار نظرة كلية، مفادها أنه لا تسلط للشياطين على الإنس عند المعتزلة؛ إذ «لو سلط إبليس على الناس ينخسهم، لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا» ‹ 14›.

هذا من حيث توظيف الزمخشري للسنة النبوية، أما من حيث نوعية الأحاديث التي أوردها في تفسيره، فمنها ما هو الصحيح،ومنها ما هو دون ذلك، بل فيه الأحاديث الكثيرة التي لا يعرف لها أصل، ويمكن أنْ نمثل للأحاديث الصحيحة بالأحاديث التي مرت كحديث وخز الشيطان للمولود، والحديث الذي جاء في الكشف عن فضيلة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة.

أما الأحاديث التي ليس لها أصل، فهي موجودة بكثرة ولا سيما الأحاديث التي تكشف عن فضائل السور، وقد التزم الزمخشري أنْ يذكر في آخر كل سورة حديثا يدل على فضلها، وهذا الالتزام لا بد أنْ يدفع بصاحبه إلى البحث عن الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، لتغطية كل سور القرآن، ومن المعروف أن أحاديث كثيرة جاءت في فضائل السور، ولم يصح منها إلا القليل‹15 ›، وهذا الالتزام جعله محط نقد، يقول ابن تيمية [ت:728 هـ] في التعريف بمواطن الأحاديث الموضوعة: «وفى التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة، مثل الحديث الذى يرويه الثعلبى والواحدى والزمخشرى، فى فضائل سور القرآن، سورة سورة، فانه موضوع باتفاق أهل العلم» ‹ 16›.

و ابن تيمية رحمه الله لا يقصد أن كل حديث بعينه هو موضوع، إذ هناك أحاديث صحيحة في فضائل بعض السور.

منها على سبيل المثال سورة الإخلاص، والأحاديث في فضلها صحيحة، فقد سمع أبو سعيد الخدري t « رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآن» ِ‹ 17›.

وإذا كانت أغلب الأحاديث التي ذكرت في فضائل السور موضوعة، فمن السهل أنْ نستشهد بأحاديث كثيرة، أدخلها الزمخشري في تفسيره وهي موضوعة من ذلك على سبيل المثال قوله في آخر سورة الفاتحة ليدل على فضلها «عن حذيفة بن اليمان أن النبي r قال: «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب) الحمد لله رب العالمين ([الفاتحة:2] فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة» ‹18 ›.

هذا الحديث ذكره العجلوني [ت:1162هـ] وقال: «حديث موضوع كما قاله الحافظ العراقي وغيره، وقيل إنه ضعيف» ‹ 19›،وقد أشار ابن حجر العسقلاني [ت:852هـ] عند تخريجه لهذا الحديث بأنه موضوع‹20 ›.

ويدخل في هذا السياق أيضا الأحاديث التي لا أصل لها والتي حاول أن ينصر بها مذهبه‹21 ›.

===

‹ 1› الكشاف:1/ 47.

‹ 2› رواه الديلمي عن علي عن النبي r باللفظ السابق، الفردوس بمأثور الخطاب:2/: 404،رقم: 3795،وذكر البيهقي هذه اللفظة-الصلاة عماد الدين- في مؤخرة حديث أخرجه عن عكرمة عن عمر t ، وأشار إلى أن عكرمة لم يسمع من عمر، قال ولعله ابن عمر، انظر البيهقي، شعب الإيمان:3/ 39،رقم: 2807، وكأن ذلك إشارة إلى انقطاع في السند، وقال العجلوني «قال النووي في التنقيح منكر باطل،قال المناوي رده ابن حجر، أي لأن فيه ضعفا وانقطاعا فقط وليس بباطل» كشف الخفاء:2/ 40، نخلص من ذلك أن الحديث لم يصح.

‹3 › رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان،باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم:82.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير