ومن تعديته بـ (اللام) قوله تعالى:? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ? (الأعراف:32).
ومن تعديته بـ (مع) قوله تعالى:? لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً ? (الحشر:11).
ومن تعديته بـ (في) قوله تعالى:? لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ? (التوبة:47) ... )).
أما قوله بتعديته بـ (من)، و (إلى)، و (على) فهو قول صحيح لا غبار عليه.
وأما قوله بتعديته بـ (اللام) في قوله تعالى:? أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) ففيه خلط واضح بين الفعل (خرج)، والفعل (أخرج). والأول لازم يتعدى بـ (إلى)، أو بـ (من) .. والثاني يتعد ى بنفسه؛ إذ الهمزة فيه للتعدية، وحذف مفعوله؛ لأنه يعود على (زينة الله)، و (الطيبات من الرزق). ولو كان عائدًا على الزينة فقط، لوجب أن يقال: (أخرجها لعباده). أي: لأجلهم. ولو كان العباد مفعولاً، لقلنا إنه تعدى إليه باللام. ولكنه ليس بمفعول. ويسمي النحاة هذه الهمزة: همزة النقل، وهي التي تنقل غير المتعدي إلى المتعدي؛ كقولك: قام وأقمته. وذهب، وأذهبته. وعلى هذا يكون قوله تعالى: (لِعِبَادِهِ) متعلقًا بالفعل (أخرج)؛ لأنه مفعول لأجله. والمعنى: أخرج لأجل عباده. أي: أحرج الزينة والطيبات من الرزق لأجلهم.
وأما قوله بتعديته بـ (مع) في قوله تعالى:? لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ? فليس كذلك؛ لأن التقدير: لئن أخرجتم لنخرجن معكم إلى حيث تخرجون. فالفعل متعد إلى مفعوله المحذوف للعلم به بـ (إلى). و (معكم) مثلها في قوله تعالى:? وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ?.
ومثل ذك يقال في قوله تعالى:? لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ?؛ لأن التقدير: لو خرجوا إليهم فيكم أو إلى حيث يريدون .. و (في) للظرفية المكانية. وتعلقها بالفعل من تعلق الظرف به.
ومن عرف ذلك بعد تأمله، يمكنه الوقوف على حقيقة ما ذكر من تعدي بقية الأفعال المذكورة في هذا الكتاب .. وأخيرًا أذكِّر القارىء الكريم بما بدأ به الدكتور الأنصاري من قوله في مقدمة كتابه: إن ((أهمية هذا الموضوع تعود إلى أمرين:
أولهما: لارتباطه بفقه الدلالة ... وثانيهما: لدقة مسلكه وغموضه وخفائه على بعض العلماء)).
والحمد لله الذي منَّ على عباده بنعمة الفهم، لمعاني كلامه، وبنعمة الإدراك للكشف عن أسرار بيانه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Apr 2006, 06:46 م]ـ
شكر الله لكم يا أبا الهيثم هذا التلخيص، وهذه النظرات الثاقبة، والاستدراكات العلمية الموفقة. وهذه الفروق الدقيقة لا يكاد يدركها إلا الراسخون من أمثالكم وفقكم الله وسددكم.
ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[28 Apr 2006, 02:09 م]ـ
? هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ?.
فالشكر- يا أبا عبد الله- لله وحده على منِّه وفضله وتعليمه، نسأله سبحانه أن يرزقنا حسن الفهم والتدبر لكلامه، وأن يلهمنا الشكر لنعمائه، وله الحمد كله في السموات وفي الأرض، وما بينهما عدد خلقه، ونعمه التي لا تحصى، سبحانه وتعالى!
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[30 Apr 2006, 04:22 م]ـ
شكرا جزيلاً للأستاذ محمد عتوك على هذه المقالة النقدية البديعة كعادته. ودمتم موفقين.