كما تجده فقيها أحيانا أخرى، يستنبط الأحكام الفقهية ويرد على الفقهاء ويخطئ بعضهم، وسلاحه في ذلك اللغة؛ وهذا ما نجده عند شرحه للفظة "طهر" يقول: «?وأنزلنا من السماء ماء طهورا? قال الشافعي رضي الله عنه: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولا لا يبنى من أفعل وفعل، إنما يبنى ذلك من فعل. وقيل إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان- ضرب لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهر به، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهور تنبيها على المعنى».
كما أنه-’- يحذو في شرحه لألفاظ القرآن حذو التفسير الموضوعي؛ لأنه عمد فيما ذهب إليه إلى جمع الآيات ذات الموضوع الواحد ففسرها. فجاء ترتيب مصنفه بحسب ما يأتي به التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
و نعطي هنا مثالا و هو شرحه للفظة "البصر" قال «البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى ?كلمح البصر? ?و إّذ زاغت الأبصار? و للقوة التي فيها, ويقال: لقوة القلب المدركة-بصيرة و بصر، نحو قوله تعالى. ?فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد? ( .. ) ? أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ? أي على معرفة و تحقق و قوله: ? بل الإنسان على نفسه بصيرة ? أي تبصره فتشهد له و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له و عليه يوم القيامة كما قال:"تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ? و أنبتنا فيها من كل زوج يهيج تبصرة? أي تبصرة و تبيانا ( .. ) ? ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم ? أيجعلون بصراء بأثرهم».
ذكر هنا جميع الآيات التي ذكرت فيها لفظة " البصر" ثم شرحها و أعطى المعاني التي تفيدها حسب موضعها و سياقها في الآية.
المبحث الثالث
مصادر الكتاب:
الذي يظهر من خلال تصفح و قراءة الكتاب أن مراجعه بالأساس اللغة العربية خاصة ما كان منها نظما فيأتي به شاهدا على المعنى الذي ساقه المؤلف, ثم أقوال الصحابة والتابعين و بعض المفسرين و إن لم يذكر أسماءهم, وكثيرا ما يورد القول بصيغة التمريض وفي استعمالها عند العلماء إشارة إلى عدم الرضا و الاطمئنان بصحة ما أوردوه.
و في مجال اللغة أخذ بنسبة كبيرة عن أحمدا بن خليل الفراهدي و بأقل منها عن سيبويه.
المبحث الرابع
ملاحظات حول الكتاب:
الذي يلاحظ على الكتاب أن الكاتب قليلا ما يسند الأقوال إلى أصحابها و لعله لا يطمئن إلى ما ذهب إليه أصحاب تلك الأقوال. و أيضا لا يوثق و لا يذكر سلسلة السند في الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة و التابعين و لو ذكر ذلك لكان أفضل. وهذا الأمر ينطبق كذلك على عمل المحقق الذي لم يخرج الأحاديث أ يتأكد من صحتها أو يذكر الشعراء المستشهد بشعرهم و هذا العمل نجده عند بعض المحققين عند تحقيقهم الكتب.
الذي يلاحظ على المؤلف هو تأثير عقيدته عليه عند تفسير آيات الصفات خاصة, فقد أول صفة الاستواء بالاستيلاء و المجيء بمجيء أمر الله و ليس بذاته, كما في الاستهزاء و اليد ,و الذي يبدو أنه أشعري العقيدة و الله أعلم.
كان أحرى به أن ينطلق من اللفظة القرآنية ومدلولاتها اللغوية لا أن يصرفها عن معناها الظاهر لتوافق ما اعتقده قبل.
ويلاحظ عليه أنه يدرج بعض الأسماء الأعجمية تحت أكثر من جذر، ك"جالوت" أورده تحت جذري"جلت"و"جال " في آن واحد.
ويلحق بعض الجذور بغيرها، وكان الأجدر فصلها وقد فعل المحقق ذلك (أنظر مقدمة المحقق).
وهذه الملاحظات لا تنقص من قيمة الكتاب العلمية وأهميته في المكتبة التفسيرية.
المبحث الخامس
في القيمة العلمية للكتاب:
للكتاب قيمة علمية كبيرة تتجلى في اهتدائه إلى مفاتح النص القرآني، وهي مفردات الألفاظ التي لا يستغني عنها مشتغل بكتاب الله تعالى، فامتلاك المفاتيح وضبطها يسهل عملية الولوج ومن دخل في كتاب الله بعقله وفكره اهتدى، ومن اهتدى عاش حياة طيبة ملؤها السعادة والهناء، وهذه هي الطريقة الوحيدة الأسلم والأيسر لفهم كتاب الله تعالى، وهي الخطوة الأولى واللبنة الأساس التي لايمكن الاستغناء عنها، والا يكون الواحد منا يدور حول النص وهو يظن أنه يغوص في أعماقه.
ثم تتجلى كذلك في طريقة ترتيبه الألفبائي- فاء الفعل ثم عينه ثم لامه. اهتدى إلى هذه الطريقة وهو في نهاية القرن الخامس وبداية السادس الهجري، أي في وقت مبكر جدا، وهي الطريقة المعتمدة حاليا في القرن الخامس عشر الهجري. فهذا سبق علمي كبير إن دل على شيء فإنما يدل على علو الراغب –’- في مجال التصنيف والتأليف، وهي طريقة تسهل على القارئ البحث عن مفردات الألفاظ القرآنية، ومعرفة معانيها بيسر وسهولة.
كما تتجلى أيضا في شرحه لمفردات ألفاظ القرآن شرحا يفي بالغرض من غير إفراط أو تفريط، بحسب سياقها في الآية. ولاغرو فالرجل خبير باللغة العربية وفنون استعمالها عند العرب. كما أن له مصاحبة طويلة لكتاب الله تعالى، ظهر هذا جليا في شرحه لألفاظ القرآن. ومن خلال كتبه التي ألفها. وله إلمام بعلم الفقه وأصوله، وعلم القراءات. يوظف كل مالديه من امكانات علمية في شرحه للألفاظ القرآنية.
ولهذا تبدو شخصيته العلمية حاضرة بقوة في الشرح اللغوي وتوجيه الفهم. وفي المنهجية التي اتبعها. وهو في هذا مبدع رائد غير مسبوق.
وهذا الكتاب موجه لعموم الناس بإمكانهم أن يستفيدوا منه، غير مقتصر على الخاصة فقط كما هو حال بعض الكتب الأخرى.
والمصنف أقرب إلى التفسير منه إلى المعجم.
محمد البويسفي طالب باحث
¥