وسبب ذلك جهل المُختَصِرُ بمنهج العلماء في هذا الباب, وأصولهم في ضبطه. ولا سبيل للوصول إلى ما وصل إليه أولئك العلماء, وإصابة الحق في باب الاختصار, إلا باتِّبَاع أصولٍ منهجيةٍ علميةٍ ساروا عليها, تعصم من الاعتداء على كتب الأسلاف, وتسدُّ بهذه المختصرات حاجةً قائمةً في معارف المسلمين.
وتجتمع هذه الأصول المنهجية للاختصار في ثلاثة أصول:
الأول: صحة الفهم.
الثاني: حسن البيان.
الثالث: سلامة المقصد.
* فالأصل الأول يعصم من سوء الفهم, قلا يُبنَى المُختَصَر على ما لم يُرِده صاحب الأصل, وسوء الفهم أعظم ما يكون آفةً في هذا المقام.
* والأصل الثاني يعصم من الخطأِ في إيصال مُراد صاحب الأصل, فلا يكفي الفهم الصحيح حتى يَصِلَه بقَدْرٍ من البيان يحمل معانيه بلا زيادة ولا نقصان, وإن فصاحة اللسان ههنا مَزِيَةٌ لَهَا شَأن, تُعين صاحبها على صِحَّة الفهم, وحُسن الاختيار من المعاني, وإصابة الصواب في إيصالها بلا إسرافٍ ولا تقتير.
ولَمَّا اجتمع لابن عباس رضي الله عنه هذين الأصلين: العلمُ بالقرآن, وحسنُ البيان, كان «ترجمان القرآن» , ولا يكون ذلك إلا لِمَن تَحَقَّق علمه فيما يُتَرْجِمُ عنه, وما يُتَرْجِمُ إليه.
* والأصل الثالث يعصم من تحريف مُراد صاحب الأصل, بزيادة أو نقص أو تصرُّفٍ في العبارة على وجه يُحيل المعنى إلى خلاف مُراد المؤلف, وعلى ما يوافق رأي المُختَصِر.
وأكثر ما يقع الخلل في مُختصرات التفسير من الإخلال بهذا الأصل, وعلى الأخص عند التخالف في الاعتقاد.
فحيثُ صَحَّت هذه الثلاثةُ الأصول على التمام- ولا تجتمع كذلك في غير عالم- صَحَّ الاختصار, وحَسُن أثره في هذا الفَن, وانتفع به الناس في زمانهم. والجهل بها, أو الخلل في التزامها يوقع في مخالفات وانحرافات تعصف بجلالة تلك الأصول, وتمحو من هيبتها في نفوس قارئيها, وتُجَرِّئُ من ليس أهلاً على تناولها بصنوفٍ من العبث والتغيير.
-----الحواشي -----
[1]: مجالس ثعلب 1/ 10, تحقيق: عبد السلام هارون.
[2]: ينظر: مقدمة ابن خلدون 2/ 233, ومعجم البلدان 1/ 22.
[3]: معجم البلدان 1/ 22 بتصرُّف.
[4]: اختصره صاحب (مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) , واعتذر عن فعله هذا في مقدمته. ينظر: كشف الظنون 2/ 1652, 1733.
[5]: منه نسخة ضخمة جداً, مخطوطة بحاشية تفسير ابن كثير, في مكتبة نور عثمانية بتركيا, نُسِخت سنة 928. ينظر: بحوث وتحقيقات للعلامة عبد العزيز الميمني 1/ 163.
وعن مختصرات ابن كثير ينظر: ذخائر التراث العربي, لعبد الجبار عبد الرحمن 1/ 226.
[6]: يمكن تطبيق ذلك على كُتُب المُفَسِّر الواحد في التفسير, كتفاسير الواحدي (ت:468) الثلاثة: البسيط, والوسيط, والوجيز. فما كتبه المؤلف في الوجيز هو الحَدُّ الأدنى من التفسير, الذي يقتَضيه مَقامُ الاختصار؛ وهو بيان المعنى, وما لا بُدَّ منه لِبَيانه, كسبب النُّزول ونحوه, في معاني مختارة, وبألفاظ أشد وضوحاً ومباشرةً في الدلالة على المعنى.
ثُمَّ تتكاثر موضوعات علوم القرآن المتنوعة, ويظهر الجانب العلمي الأبرز عند المؤلف في تفسيره: الوسيط, لتكتمل عنده في: البسيط؛ الذي بسط فيه القول وأشبَعَه, وتَجَلَّت فيه تلك المعارف بوضوح.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[28 Apr 2006, 12:54 ص]ـ
بارك الله فيك، وأثلج صدرك كما أثلجت صدور إخوانك في هذا الملتقى المبارك؛ فهذه الكلمات لا تصدر إلا من جَعبة طالب العلم الذي يحسن صدق النية وصدق الطلب، أحسب ذلك على الله وهو سبحانه حسبي وحسبك، وعليه نتوكل وإليه ننيب.
ـ[الكشاف]ــــــــ[28 May 2006, 12:10 ص]ـ
موضوع قيم يشكر الشيخ نايف على تحريره، وهو موضوع ذو صلة بجميع الفنون ولا يقتصر على التفسير، وضوابطه التي تفضل بها تنسحب على الفنون الأخرى كذلك.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[28 May 2006, 06:03 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فتح الله عليك أخي أبا بيان، وجزاك خيراً على هذا الموضوع القيّم.
وتعليقي هنا حول أهمية اختصار الكتب في بناء طالب العلم، وذلك بأن يقوم الطالب الذي درس كتاباً في فنٍ من فنون العلم باختصاره بعد أن يتقن مادته.
وهذا النوع هو أفضل أنواع الاختصار، أن يختصر العالم أو طالب العلم الكتاب بنفسه حتى ينتفع بالكتاب وبمختصره، ويكون على دراية بما أثبت وما حذف.
وقد نبّه الشيخ عبدالكريم الخضير على هذه الطريقة، وشرحها وبيّن أهميتها لطالب العلم في شريطه القيّم: مفاتيح طلب العلم ( http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=39397).
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[02 Aug 2006, 04:38 م]ـ
بارك الله في الكاتب والمعلقين الفضلاء على هذا الموضوع المهم. والذي أريد إضافته إلى هذا الموضوع إشارةٌ إلى ما كتبه الشيخ الفاضل عثمان بن عبدالقادر الصافي قبل أكثر من سبعة عشر عاماً في مقالات منشورة له ىفي مجلة البيان فيما أذكر، ثم جمعت تلكم المقالات ونشرت في كتابه الثمين (أخطار على المراجع العلمية لأئمة السلف) وهذا الكتاب دراسة تمهيدية تهدف إلى المحافظة على التراث العلمي الإسلامي والتحذير من العبث به. وقد خصص موضوع اختصار كتب التفسير بحديث طويل، بل إن الكتاب برمته يدور حول هذا الموضوع والمحاذير الشرعية والعلمية التي تحف به. ولولا ضيق الوقت لنقلت كلامه أو خلاصته فهو مهم، وجدير بالنشر والبعث والنقاش. فلعل أخي العزيز أبا بيان ما دام قد ابتدأ هذا الخير، أن يتكرم على قراء هذا الملتقى العلمي بتلخيص أهم ما ذكره مؤلف هذا الكتاب، ولا سيما في القسم الرابع من ص 75 وما بعدها تحت عنوان (اختصار كتب السلف بين المصلحة والمحاذير)
والكتاب نشرته دار الفاروق بالطائف عام 1410هـ، وهاتفهم 02746633
¥