وفي سورة "الإسراء" يقول الله تعالى: " وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِ?لآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ?لأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ?لنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِ?لآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً " [59].على أن قريشا لم تطلب خارقة مَّا، بل حددت بضع خوارق عدَّتها عدّاً " وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى? تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ?لأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ?لأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ ?لسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِ?للَّهِ وَ?لْمَلا?ئِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى? فِي ?لسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً " [93].
إن العناد ملك قلوبهم، وليس الكفر عَرَضا سريعا يمرّ ببعض الناس، إنه مزيج من الحسد والغباء، والطمع والأثرة، والبعد عن الكفر يتطلب عقلا واعيا، وحكما عادلا، وخلقا زاكيا
ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ إمام أولى العزم الذين جاهدوا الضلال الأزمنة الماضية، وهو في الجزيرة العربية لن ينشغل بمآرب كفارها ومقترحاتهم، فرسالته العامة إصلاح الخلل في كل نفس، في أية قارة، إلى أن تقوم الساعة. ويزيد عبؤه جسامة إلى أنه يعتمد في نجاحه ـ بعد تأييد الله ـ على تحريك العقول وهزّ التقاليد، ومعالجة العوج البشري بالهوينى، حتى يسلس قياده! ويالها من مهمة!!.
إنهم يطلبون من محمد أن يجعل لهم مكانة خاصة إذا أراد أن يؤمنوا له!!.وقد ينفق من وقته واهتمامه الكثير ليعالج زعيما إذا آمن تبعته ألوف من الأنصار! وربما أخذ هذا الوقت من حق آخر فقير .. !
وفي هذا يقول الله له: " وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ?لَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ?لْحَيَاةِ وَضِعْفَ ?لْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً " [73 - 74 - 75].
إن سياسة الدعوة شيء، والانحرافات الخلقية شيء آخر، وقد عاتب الله نبيه لانشغاله بأحد الكبراء عن أحد الضعفاء. والسياق كله تنبيه إلى كيدهم وتحذير من ملاينتهم ... وتلا ذلك كشف عن خباياهم وعما يبيتون لدعوة الإسلام من شرور " وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ?لأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً " [76]. إنهم أحرجوه في مكة كل الحرج، وكانوا قد رأوا إخراجه، ثم اختاروا قتله. وقد خرج الرسول مهاجرا، ونجاه الله من كيدهم، ولم يلبثوا إلا قليلاً بعده حتى انتصر الإسلام وعاد إلى مكة ظافرا .. وصدق الله وعده.
وبعد جهاد الدعوة جاء جهاد العبادة، فكلِّف الرسول بالصلاة ليلاً ونهاراً " أَقِمِ ?لصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ?لشَّمْسِ إِلَى? غَسَقِ ?لْلَّيْلِ وَقُرْآنَ ?لْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ?لْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً " [78].
إن محمدا كلمة الله الأخيرة إلى الناس، واللبنة التي تم بها بنيان النبوات الأولى، وقد كان أهل الكتاب يشعرون بأن هناك نبيا قادما، ويجدون فيما لديهم ما يدعوا إلى ارتقابه وتصديقه.
فلما جاء سارع المخلصون إلى اتباعه، قال تعالى: " وَبِ?لْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِ?لْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ?لنَّاسِ عَلَى? مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُو?اْ إِنَّ ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى? عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً " [106 - 107 - 108] والتاريخ العالمي يذكر أن نصارى الشام ومصر سارعوا إلى الدخول في الإسلام بعد زوال الاستبداد الروماني، ثم حملوه مع العرب إلى آفاق العالمين، مصداق هذه الآيات الكريمة، وإشارة بصدق هذا الجمهور الكبير من أهل الكتاب الذين أمنوا وأخلصوا .. ..
ـ[سيف الدين]ــــــــ[18 May 2006, 11:47 م]ـ
بوركت يمناك ...