و .....
هذا بالنسبة للقرآن الكريم, اما بالنسبة للسنة النبوية الشريف فسنكتفي بمحورين ايضا:
الاول: ان السنة النبوية هي شارحة للقرآن الكريم ومبيّنة له: وبهذا المعنى لا تستقيم الاحاديث المذكورة في صحيح مسلم بشكل عام مع السنة النبوية في هذا الاطار, اما ما ورد في صحيح ابن حبان فانه ينسجم انسجاما واضحا.
الثاني: لقد جاءت احاديث كثيرة تنهى عن اللعن والسب والشتم وان كثرة هذه الاحاديث وما تضمنته من تحذير ووعيد تبعد ان يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الاسوة لأمته ان يكون قد قام بأي منها.
وبالعودة على الحديث الذي جاء في صحيح ابن حبان والمذكور اعلاه, فاننا نجد ان هذا الحديث لا يناقض محوري الخلق العظيم والاسوة الحسنة التي وصف الله بهما رسوله الكريم. وبناء عليه فاننا نذهب الى القول بأن محاولة التوفيق هنا محاولة بائسة لأنها تأتي على حساب السنة النبوية والمحاور الرئيسية في شخص الرسول الكريم كما عرضها القرآن الكريم.
(نلفت النظر الى انه ورد في صحيح البخاري حديثا مشابها للذي ورد في صحيح ابن حبان يقول: "لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك.")
ثانيا: ما معنى قوله: "وأغضب كما يغضب البشر"؟
حيث ان الاشكال هنا هو هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغضب على غير مقتضى الشرع كما يوحي الحديث؟
هنا يضع المارزي الذي ينقل عنه ابن حجر احتمالين:
الاول: ان الرسول خيّر بين الدعوة على الجاني ولعنه وسبه او تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون في كلا الحالين موافقا للشرع حيث ان هناك تخيير.
الثاني: ان يكون الغضب قد حمل الرسول على زيادة يسيرة في العقوبة، فيكون هذا الدعاء تعليما لأمته الخوف من تعدي حدود الله.
جاء في فتح الباري: " ثم قال المازري: فإن قيل فما معنى قوله وأغضب كما يغضب البشر؟ فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب , لا أنها على مقتضى الشرع , فيعود السؤال , فالجواب أنه يحتمل أنه أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك , فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده , ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه ... قال: ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج الإشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدى حدود الله , فكأنه أظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت , أو إشفاقا من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت , ويكون من الصغائر على قول من يجوزها , أو يكون الزجر يحصل بدونها" أ. هـ.
ولنا على هذا الكلام عدة ملاحظات ايضا:
• قال المازري: " ... يحتمل اراد ان دعوته عليه او سبه او جلده كان مما خيّر بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه ... " ونعود للسؤال هنا: هل هناك من عقوبة شرعية يكون السبّ احد اركانها؟؟؟؟
• ان القول بأن الرسول قد خيّر في ذلك هو قول ينقصه دليل: فهل هناك من خبر يؤيّد ذلك؟
• هل يصح ان يكون هذا تعليما للأمة؟ هل الرسول هو قدوة لغيره من المسلمين في هذا الامر؟ هل نستطيع ان نكفّر عن سبّنا وشتمنا لللآخرين بالدعاء؟
ثالثا: ويختم المارزي تبريراته باحتمال اخير وهو ان ماورد من اللعن والسب ورد من الرسول صلى الله عليه
وسلم بغير قصد، والى ذلك ذهب القاضي عياض الذي علّل بأن دعاءه صلى الله عليه وسلم امّا انه جاء
على عادة العرب في وصل كلامها كقولهم تربت يمينك, واما ان يكون غضبه صلى الله عليه وسلم قد حمله
على تعجيل العقوبة وترك الصفح. ويبدو ان هذا التعليل الاخير قد لاقى استحسان ابن حجر.
جاء في فتح الباري: ". ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة. وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال: يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي , ولكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك , كقولهم عقري حلقي وتربت يمينك , فأشفق من موافقة أمثالها القدر , فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى. وهذا الاحتمال حسن إلا أنه يرد عليه قوله " جلدته " فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه , إذ لا يقع الجلد عن غير
¥