فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا واطيعوا وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة) ولمسلم من حديث أم الحصين (اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله) ولمسلم أيضاً من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي أن أطيع وأسمع وإن كان عبداً حبشيّاً مجدعَ الأطراف).
فالجواب من أوجه:
الأول: أنه قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود , فإطلاق العبد الحبشي لأجل لمبالغة في الأمربالطاعة , وغن كان لا يُتَصوَّر شرعا أن يليَ ذلك. ذكر ابن حجر هذا الجواب عن الخطابي.
ويشبه هذا الوجه قوله تعالى {قل إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول العابدين}.
الثاني: أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مؤمراً من جهة الإمام الأعظم على بعض البلاد, وهو أظهرها فليس هو الإمام الأعظم.
الثالث: أن يكون أطلق عليه اسم العبد نظراً لاتصافه بذلك سابقا مع أنه وقت التولية حر, ونظيره إطلاق اليتيم على البالغ باعتباراتصافه به سابقاً في قوله تعالى {وآتوا اليتامى أموالهم} الآية , وهذا كله فيما يكون بطريق الاختيار.
أما لو تغلب عبد حقيقة بالقوة فإن طاعته تجب , إخمادا للفتنة وصونا للدماء , ما لم يأمر بمعصة كما تقدمت الإشارة إليه , والمراد بالزبيبة في هذا الحديث واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جفَّ , والمقصود من التشبيه: التحقير وتقبيح الصورة , لأن السمع والطاعة إذا وجبا لمن كان كذلك دل ذلك على الوجوب على كل حال, إلا فالمعصية كما يأتي. ويشبه قوله صلى الله عله وسلم (كأنه زبيبة) قول الشاعر هجو رجلا أسودَ:
دنس الثياب كأن فروة رأسه ............... غرست فأنبت جانباها فلفلا)
ويقول الشيخ رحمه الله عند قول الله تعالى (الطلاق مرتان) بعد سرده لأقوال من أوقع الثلاث طلقةً واحدة ومن عدها ثلاثا محرِّمةً
يقول:
فإن قيل: غضب النبي صلى الله عليه وسلم وتصريحه بأن ذلك الجمع للطلقات لعبٌ بكتاب الله يدل على أنها لا تقع , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منمه فهو رد) وفي رواية (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
فالجواب: أن كونه ممنوعا ابتداء لا ينافي وقوعه بعد الإيقاع , ويدل له ما سيأتي قريبا عن ابن عمر لمن سأله: وإن كنتَ طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك , وعصيت له فيما أمرك من طلاق امرأتك , ولا سيما على قول الحاكم: إنه مرفوع , وهذا ثابت عن ابن عمر في الصحيح ,ويؤيده ما سيأتي إن شاء الله قريبا من حديثه المرفوع عند الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (كانت تبين منك وتكون معصية) ويؤيده ما سيأتي إن شاء الله عن ابن عباس بإسنادٍِ صحيح أنه قال لمن سأله عن ثلاث أوقعها دفعة: إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا, عصيت ربك , وبانت منك امرأتك.وبالجملة فالمناسب لمرتكب المعصية التشديد لا التخفيف بعد الإلزام)
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[03 Jun 2006, 08:49 م]ـ
قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قول الحق سبحانه {إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله}
قال:
فإن قيل: ما وجه الجمع بين الإفراد في قوله (قرحٌ مثله) وبين التثنية في قوله (قد أصبتم مثليها).
فالجواب والله تعالى اعلم: أن المراد بالتثنية قتل سبعين , وأسر سبعين يوم بدر, في مقابلة سبعين سوم أحد كما عليه جمهور العلماء.
والمراد بإفراد المثل: تشبيه القرح بالقرح في مطلق النكاية والألم, والقراءتان السبعيتان في قوله {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرحٌ مثله} بفتح القاف وضمها في الحرفين معناهما واحد , فهما لغتان كالضَّعف والضُّعف.
وقال الفراء: القرح بالفتح الجرح وبالضم ألمه. اهـ
ومن إطلاق العرب القرح على الجرح قول متمم بن نويرة التميمي:
قعيدك ألاَّ تُسمعيني ملامةً ............... ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا).
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[04 Jun 2006, 03:31 م]ـ
قال الشيخ رحمه الله عند قول الحق تعالى {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}
¥