تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن قيل: إذا كانوا لا يستطيعون السمع ولا يبصرون ولا يفقهون، لأن الله جعل الأكنة المانعة من الفهم على قلوبهم. والوقر الذي هو الثقل المانع من السمع في آذانهم فهم مجبورون. فما وجه تعذيبهم على شيء لا يستطيعون العدول عنه والانصراف إلى غيره؟!

فالجواب - أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيمك أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعم وابصارهم، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة، ونحو ذلك - إنما جعلها عليهم جزاء وفاقاً لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم، فأزاغ الله قلوبهم بالطبع والأكنة ونحو ذلك، جزاء على كفرهم، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} أي بسبب كفرهم، وهو نص قرآني صريح في أن كفرهم السابق هو سبب الطبع على قلوبهم. وقوله: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} وهو دليل أيضاً واضح على أن سبب إزاعة الله قلوبهم هو زيغهم السابق. وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} وقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} الآية، وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وقوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الطبع على القلوب ومنعها من فهم ما ينفع عقاب من الله على الكفر السابق على ذلك. وهذا الذي ذكرنا هو وجه رد شبه الجبرية التي يتمسكون بها في هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم.

وبهذا الذي قررنا يحصل الجواب أيضاً عن سؤال يظهر لطالب العلم فيما قررنا: وهو أن يقول:

قد بينتم في الكلام على الآية التي قبل هذه أن جعل الأكنة على القلوب من نتائج الإعراض عن آيات الله عند التذكير بها، مع أن ظاهر الآية يدل عكس ذلك من الإعراض المذكور سببه هو جعل الأكنة على القلوب، لأن «إن» من حروف التعليل كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، كقولك: اقطعه إنه سارق، وعاقبه إنه ظالم

فالمعنى: اقطعه لعلة سرقته، وعاقبه لعلة ظلمة.وكذلك قوله تعالى: {فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي أعرض عنها لعلة جعل الأكنة على قلوبهم. لأن الآيات الماضية دلت على أن الطبع الذي يعبر عنه تارة بالطبع، وتارة بالختم، وتارة بالأكنة، ونحو ذلك - سببه الأول الإعراض عن آيات الله والكفر بها كما تقدم إيضاحه.

ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[22 Nov 2007, 12:42 م]ـ

قال رحمه الله مستكملاً مسائل الآية السابقة {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}

وفي هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان:

الأول - أن يقال: ما مفسر الضمير في قوله: {ان يفقهوه}؟

وقد قدمنا أنه الآيات في قوله {ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ} بتضمن الآيات معنى القرآن. فقوله {أن يفقهوه} أي القرآن المعبر عنه بالآيات كما تقدم إيضاحه قريباً.

السؤال الثاني - أن يقال: ما وجه إفراد الضمير في قوله {ذكر} وقوله: {أعرض عنها} وقوله {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} مع الإتيان بصيغة الجمع في الضمير في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} مع أن مفسر جميع الضمائر المذكورة واحد، وهو الاسم الموصول في قوله: {مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ} الآية.

والجواب - هو أن الإفراد باعتبار لفظ «من» والجمع باعتبار معناها، وهو كثير في القرآن العظيم. والتحقيق في مثل ذلك جواز مراعاة اللفظ تارة، ومراعاة المعنى تارة أخرى مطلقاًز خلافاً لمن زعم أن مراعاة اللفظ بعد مراعة المعنى لا تصح. والدليل على صحة قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً}

فإنه في هذه الآية الكريمة راعى لفظ «من» أولاً فأفرد الضمير في قوله {يؤمن} وقوله «ويعمل» وقوله «يُدْخِلْهُ» ووراعى المعنى في قوله: {خالدين} فأتى فيه بصيغة الجمع، ثم راعى اللفظ بعد ذلك في قوله: {قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً} وقوله: {أن يفقهوه} فيه وفي كل من يشابهه من الألفاظ وجهان معرفوان لعلماء التفسير:

أحدهما - أن المعنى جعلنا على قلوبهم أكنة لئلا يفقهوه. وعليه فلا النافية محذوفة دل المقام عليها. وعلى هذا القول هنا اقتصر ابن جرير الطبري.

والثاني - أن المعنى جعلنا على قلوبهم أكنة كراهة أن يفقهوه وعلى هذا فالكلام على تقدير مضاف، وأمثال هذه الاية في القرآن كثيرة. وللعلماء في كلها الوجهان المذكوران كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ}

اي لئلا تضلوا، أو كراهة أن تضلوا. وقوله: {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فتبينوا أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ} أي لئلا تصيبوا، أو كراهة أن تصيبوا، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن العظيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير