تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واختصار القول: إن أي معلومة لها أثر في بيان المعنى، فهي من صلب التفسير، وأي معلومة ليس لها أثر في بيان المعنى، فليست من صلب التفسير، ثم يمكن أن تكون من علوم القرآن أو من غيره كما مرَّ التنبيه على ذلك سابقًا.

2 ـ قال ابن كثير (ت: 774) في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}): ((وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 77 - 80] وقال: {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 11 - 16]؛ ولهذا استنبط العلماء، رحمهم الله، من هاتين الآيتين: أن المُحدِثَ لا يمس المصحف)).

فهذا الاستنباط ليس من صلب التفسير؛ لأن المقصودين بالطهارة هنا الملائكة، ولو كان المقصود بالمطهرين البشر لكان تفسيرًا.

فإن قلت ما الفرق؟

فالجواب: تأمل المعنى الأول: لا يمسه إلا الملائكة.

هنا انتهى المعنى، ولم يَرِدْ ذِكْرٌ لحكم مسِّ المُحْدِث للمصحف، فهذا الحكم من الاستنباط الذي لو لم يعرفه القارئ لما أشكل عليه فهم الآية، إذا كان يعرف أن المراد بالمطهرين الملائكة.

لكن إذا فُسِّر (المطهرون) بالبشر، فالمعنى: لا يمسه إلا من تطهر من الحدث، وهذا يكون من صلب التفسير، وليس استنباطًا؛ لأنه هو المعنى المراد باللفظة مباشرة ..

ولعل في هذين المثالين غُنية للتنبيه على مصطلح (التفسير).

فإن قلت: ههنا مسألتان:

الأولى: إننا نجد بعض تعريفات العلماء للتفسير قد توسعت في مراده، ومن أشهرها تعريف أبي حيان الأندلسي (ت: 745)، قال: ((التفسير: علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حال التركيب، وتتمات ذلك)).

الثانية: إننا نجد مسائل كتب التفسير أوسع من تعريفك الذي اخترته، فما معنى ذلك؟

فالجواب عن الأولى: إن الاختلاف في تعريفات العلماء للتفسير واضح وظاهر، وليس أمامك إلا الترجيح بين تعريفاتهم، وما ذكرت لك هو خلاصة ما خرجت به من تعريفاتهم؛ لأن بعضهم أدخل ما ليس من علم التفسير في علم التفسير، كقول أبي حيان (ت: 745): (عن كيفية النطق بألفاظ القرآن) وهذا من علم الأداء، وليس من علم التفسير. وليست هذه المقالة محلاً للاستدراك على كل ما في التعريفات مما لا يدخل في ماهية التفسير.

والجواب عن الثانية: إن مما يحسن التفريق بينه؛ المنهج الذي أراد المفسر أن يسير عليه في كتابه، ومصطلح التفسير.

فالمفسر أراد أن يكون كتابه في التفسير مليئًا بهذه المعلومات، لكن وجودها في كتابه لا يعني أنها من علم التفسير، لذا قيل في تفسير الرازي (ت: 604): فيه كل شيء إلا التفسير، ومرادهم أنه أدخل في كتابه كثيرًا من القضايا التي ليست من علم التفسير، وفقدها لا يؤثر في فهم معاني كلام الله.

ولهذا لو تتبعت استدراكات المفسرين على بعضهم في هذه المسألة لوجدت أمثلة كثيرة من استدراكاتهم أو تنبيهاتهم على عدم دخول بعض المعلومات في كتب التفسير؛ لأنها ـ في نظرهم ـ ليست من التفسير، ولئلا أطيل عليك أذكر لك استدراكًا واحدًا فقط.

قال الشوكاني (ت: 1250) في تفسير أول آية من سورة الإسراء: ((واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز، وذكر أسباب النزول، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير