إتضح أن مسألة الشهود الأربعة- أعمق من مجرد ذلك ..
*************
لم يدر بخلد فقهاؤنا قط، أنه سيأتي حين من الدهر يهبط فيه الإنسان الى هذا المستوى من الإنحدار ..
"أسفل سأفلين" .. حيث كل مرتبة من الإنحطاط، تتخيل أنه لا يوجد ما هو أسفل منها ..
ثم تتفاجأ بالأدنى .. والأدنى ..
تتفاجأ بشيء هو "أسفل سافلين" ..
نعم، لم يدر بخلد فقهاؤنا، أنه سيأتي على الإنسان حين من الدهر، يتلذذ فيه بأن يمارس الجنس في الأماكن العامة، من أجل أن يشاهده الناس ..
لكن، ها نحن نرى، في تلك ال 57% .. القمة العالية، حيث يحرص الإنسان على النزول الى أسفل درك، أسفل سافلين ..
*****************
الآن يبدو حد الزنا- الذي لا ينفذ الا بأربع شهود- شيئاً طبيعياً ..
لم يعد الزنا هنا زلة، لم يعد مجرد ضعف بشري أمام غريزة في داخله. الأمر و قد وصل الى هذا الرقم المحزن يعني أن الزنا لم يعد مجرد تلك الغريزة، ولا حتى الإستسلام لها، لقد خرج الأمر من هذا، خرج من إطار العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، الى غياهب بهيمية معتمة يتمتع فيها الإثنان لا بالعلاقة بينها كرجل وإمرأة- بل بتلصص الناس عليهما ..
إنه أمر بعيد جداً، ..
ويستحق من ينزلق إليه، أن يقف عند "حده".
يستحق- بل يستوجب أن يكون هناك شيء يوقفه ..
يستحق أن يكون هناك "حد".
*************
عندما أتأمل الآن في لفظة "الحدود" تلك اللفظة التي إستهلكناها، وأشبعناها إبتذالاً وإستعمالاً في غير موضعها .. أفهمها الآن بشكل جديد ..
أراها الآن كوابحاً إستباقية للمجتمع من أجل أن لا ينحدر إلا أسفل سافلين ..
الأمر لا يبدو طبعاً بشكل فجائي من تطبيق الحدود على ممارسي الجنس في الأماكن العامة والذين تتوفر فيها شروط تطبيق الحد ..
الأمر يبدأ قبل ذلك بفترة طويلة، الكابح يعمل إستباقياً، على كل فرد، داخل المجتمع، أنه ينظم (سدادة) كل فرد، بحيث لا تتأثر شبكة الأواني المستطرقة التي يتألف منها المجتمع ككل ..
الأمر يبدأ بالحد وهو يغرس في داخل كل فرد، ليس رجماً ولا جلداً، ولكن بحزمة المفاهيم الأخرى، حزمة المفاهيم البديلة، التي تمنع وصول الفرد- ومن بعده المجتمع- الى تلك المرحلة وتلك الأرقا وتلك الإحصاءات التي إنحدر إليها مجتمع الفردوس المستعار ..
يبدأ الأمر من تلك القيم التي تنظم علاقة الفرد بنفسه، بشهواته، بجسده، وبأجساد الاخرين .. وبالمجتمع ككل ..
يبدأ الأمر من (حدود) معينة تغرس في الفرد: تعلمه أن يتعامل مع غرائزه وشهواته، دون أن يتجاوزها – ودون أن يجعلها تتجاوزه ..
.. يبدأ الأمر من التعود على (الحلال) و (الحرام)، من تكريس (العفة) .. وتأجيل- (المتعة)، من مفهوم منقرض إسمه (العيب) .. وآخر إسمه (الحياء) ..
هناك، في أعماق النفس، يبدأ تطبيق الحدود الحقيقية ( .. تلك حدود الله)، التي تكون إستباقية/ ( .. وبشكل ما) مانعة للتنفيذ الحرفي لحد الزنا فيما بعد، لإنها ستعطل إمكانية حصول شروطه (شبه المستحيلة في الظروف العادية) .. رغم أنها في ظروف أخرى تصل للـ57%-
هناك يبدأ التطبيق ..
في قيم مغروسة، منذ البدء ..
بعدها يكون الأمر شبه مستحيل.
******************
اضاءة
ويجرني هذا الرقم المرتفع المؤدي الى تلك الهاوية السحيقة، فأتذكر موقفاً قرآنياً شتان ما بينه وما بين هاوية الإحصاءات في الفردوس المستعار ..
"فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة". الأعراف: 22.
"فأكلا منهما فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" طه: 122.
إنها تلك اللحظة الصعبة، لحظة ما بعد العصيان، حيث آدم وزوجته يكتشفان ويتواجهان مع الحقيقة، وتبدو لهما سوءاتهما، ورغم المعصية، ورغم أنهما إقترفا أمراً بعدم الإقتراب منه، فإنهما يسرعان بعدما (بدت لهما سوءاتهما) يخصفان عليهما من ورق الجنة، أسرعا يستران ما بدا منهما ..
لم يقولا، ولم يفكرا قط، أن اللذة ستكون اكثر، لو أن أحد نظر إليهما .. (لعلهما لم يتصورا،، أن هناك من يفعل ذلك .. ).
أسرعا يستران سوءاتهما .. - ولم يتصورا أن العري (بمعنى كشف السوءة بشكل عام) يعبر عن الذات، أو يحسن مستوى إحترام الشخص لنفسه- كما يتفلسفون عن هذا في حضارة الفردوس المستعار ..
بل طفقا يخصفان .. يواريان ما بدا منهما ..
*******************
¥