. عندما أفكر في تلك الأرقام، وتلك الإحصاءات، أقول، بلا تحفظ، أن الناتج النهائي للمعضلة كان أن مساؤي الكبت أقل بكثير من مساؤي هذا الإنفتاح الذي بشرونا بمحاسنه ..
لا أروج هنا للكبت فسمعته سيئة. لكني أنبه الى أن الإنفتاح حقيقته الإحصائية سيئة جداً. ولا أستطيع أن أتصور واقعاً أسوأ مع الكبت أو سواه ..
لا اروج للفلقة و العصا هنا- وأعترف أيضاً أن مساؤهما لا تعد ولا تحصى- لكن لا شيء، لاشيء على الإطلاق، ينافس ما إنحدر إليه الفردوس المستعار في هذا المجال.
قيل لنا أن الصنبور يجب أن يظل مفتوحاً حتى لا ينفجر في الداخل، فكانت النتيجة أن الماء فاض وأغرق المكان، وتسرب الى أسس البناء، وأضعفها، وزادها ركاكة على ركاكتها ..
لا أنكر أن سد الصنبور وإغلاقه قد يفجر المواسير الداخلية، لكن الخطة القرآنية، لا تشمل سد الصنبور فحسب، بل تشمل على بناء شبكة أنابيب قوية ومختلفة، تشمل على "حدود" تغرس منذ البداية، وهي "حدود إستباقية" متدرجة، تضع العوائق والموانع أمام وصول الأمر لحد تطبيق الحد القانوني للزنا ..
وتشمل الخطة القرآنية ربما، على مواراة السوءة، على خصفها "بورق من الجنة".
***************
ورق من الجنة ..
للمرة الأولى أتأمل اللفظة فأرى فيها معنى مختلف تماماً عن المعنى الذي رسخته هوليود قسراً وغصباً في أذهاننا: معنى ورقة التوت المزعومة التي ساد تصورها في الأدب والفن والثقافة ..
الآن أرى ان ورق الجنة هذا يمكن أن يكون الآن شيئاً آخر .. إنه الورق الذي تسطر عليه الأفكارالمستمدة من ذلك الفردوس الذي يجب أن يكون. الفردوس المستعاد .. إنه ورق المفاهيم الأخرى، ورق المفاهيم البديلة ..
ورق من الجنة، هو ورق الثوابت، التي علينا أن نواري سوءاتنا بها .. التي علينا أن نجعلها تتسرب الى دواخلنا، لتكون عوائقاً لإستباقية تمنعنا من الهبوط، من أسفل سافلين ..
"ورق من الجنة" .. اتأمله- ليس ورقة توت تزيد الإثارة والإغراء، بل ورق الفكر البديل، فكر ثوابت ذلك الفردوس الآخر .. المستعاد ..
وكان أن خصفا على سوءاتهما، بذلك الورق، أول خطوة على درب الإستعادة.
*******
من كتاب "الفردوس المستعار و الفردوس المستعاد" الدكتور أحمد خيري العمري دار الفكر دمشق 2006