بأركان عقيدتهم .. بأسس مجتمعهم .. ، انه الرشد الذي آتاه الله، من قبلُ (الأنبياء 51).
********
ان يبدأ ديكارت منهجه العلمي منطلقا من الشك ليكون مرتكزه الأساسي، وليغير منطلقات البحث العلمي بعدها، مكونا المنهجية العقلانية في النظر العلمي البحت للأمور، وان يكون منهجه هذا من أهم الفتوحات العقلانية في الفكر الإنساني، امر ليس بمستغرب من صاحب منطق رياضي – فلسفي شغل المكانة التي شغلها ديكارت ..
لكن ان تبدأ عقيدة ايمانية طريقها بالشك، وتركز عليه عبر مسيرتها باعتباره المفاعل والمجدد والوسط الذي تحقَّقَ فيه مشروعها الانساني والتاريخي، امر يبدو مستغربا جدا ..
لكن هذا الاستغراب يظل منطلقا من نظرة تقليدية تعامل الاديان كوحدة واحدة على انها جميعا تتمحور حول ايمان غيبي اعمى يرتكز على الراحة النفسية بهذا الايمان الخالي من التساؤلات والشكوك. ايمان لا دخل للعقل فيه: نفس الايمان الذي تكون مع المعجزات الحسية التي اعتمد عليها انبياء الاديان الاخرى: اعجاز للحس وابهار للمشاعر ..
أما الايمان بالاسلام – الذي اعتمد اصلا على التفاعل العقلاني مع الخطاب القراني، فلا بد ان يكون تقييمه بمقاييس مختلفة: فلا يعود اعتماد السؤال والتركيز على الشك وأحقية المسلمين به مسألة تثير الاستغراب، بل تنسجم أصلا مع نسيج الدين المختلف وطبيعته المتميزة التي تخرجه عن دائرة النظرة التقليدية للدين ودوره: الراحة والطمأنينة عبر الصلاة والتعبد والتنسك، وتجعله اقرب لمنهاج الحياة المتكامل منه إلى طريقة للصلاة والوعظ والزهد.
وعندما يكون الدين منهاجا وطريقا للحياة والنظرة إليها وطريقة لتفكير أفراده، فان ابتداءه بالتساؤل وتتويجه بالشك هو تأسيس لطريقة تفكير تكون بعمق العقيدة وتمتزج لتكون عقول وأفكار أفرادها: انها عقيدة لا تذبل لان التساؤل ينعشها ولا تموت لان الشك يبعثها من جديد – فتظل متجددة وقوية أمام التبدلات والتغيرات المستمرة ..
وللأسف فان ذلك التساؤل الإبراهيمي الذي ابتدأ به الاسلام، وذلك الشك الذي نحن أحق به من ابراهيم – والذي أوصل إلى ذروة طمأنينة القلب – ظلا مجرد آيات قرآنية (أخرى) دون ان تتاح لهما فرصة التأصيل والتأسيس في الفكر الإسلامي ودون ان تتجذر لهما داخل العقل المسلم المتكون جذور عميقة وروابط متينة – فقد سارت رياح التاريخ بعكس ما تشاء سفن العقيدة، وانتجت ظروف وملابسات تاريخية أرضية فكرية غريبة عن منهج التساؤل والشك الذي بدأ به دين الاسلام الحنيفي. لقد انتجت هذه الظروف فكر يمجد اليقين المتوارث ويحقر التساؤل ويعده بدعة مآلها إلى النار .. والاسوء انه يتخفي بالآيات والأحاديث ويتخذهما كغطاء ووسيلة ..
ولنا عودة لاحقة لهذه الظروف والملابسات التي لم تؤثر على الفكر الإسلامي فحسب، بل على الشخصية والعقل المسلمين .. وعلى الفرد المسلم الذي تكون عبر العصور وورث عبء التاريخ الثقيل
مقتبس من كتاب البوصلة القرآنية للدكنور أحمد خيري العمري دار الفكر دمشق
ـ[منصور مهران]ــــــــ[18 Jun 2006, 11:28 م]ـ
جاء في كلام الأستاذ عزام عز الدين، في السطر التاسع عشر قوله: (ما هي التربة التي رأى الله عز وجل أنها صارت خصبة مُعدة لاستقبال حكمة النبوة ومسؤولية الرسالة) قلت: ما تحته خط يفيد أن رؤية الله لهذه التربة تحققت بعد أن صارت خصبة، وهذا يُشعر نفي رؤيته سبحانه لها قبل أن تصير خصبة، تعالى الله علوا كبيرا، كان الأوْلى أن تكون العبارة هكذا: (ما هي التربة التي أعدها الله وجعلها خصبة لاستقبال النبوة ومسئولية الرسالة) وبالله التوفيق.
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[19 Jun 2006, 04:00 ص]ـ
السلام عليكم
عبارة" رأى انها صارت مهيئة" لا تدل ابدا على نفي الرؤية كما تفضلت اخي الكريم، و لا ادري كيف يخطر ذلك في بال اي احد،تستطيع ان تقول ان ذلك يعني انه الوقت المناسب و كان الله يعرفه مسبقا و قد رأى انه ازف ... مع جزيل الشكر و الاحترام