[كلام لشيخ الاسلام في الاختلاف من كتاب الاقتضاء]
ـ[أبو حسن]ــــــــ[22 Jun 2006, 03:17 م]ـ
أما أنواعه: فهو في الأصل قسمان:
اختلاف تنوع، وإختلاف تضاد.
اختلاف التنوع على وجوه:
- منه: ما يكون كل واحد من القولين، أو الفعلين حقاً مشروعاً، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم عن الإختلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ك " كلاكما محسن ". ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة، إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان قد يقال: إن بعض أنواعه أفضل.
ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الإختلاف، ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها، ونحو ذلك، وهذا عين المحرم، ومن لم يبلغ هذا المبلغ، فتجد كثيراً منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع، والاعراض عن الآخر، أو النهي عنه - ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنه: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود، وصيغ الأدلة، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام، وغير ذلك، ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالين وذم الأخرى.
- ومنه: ما يكون المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان، فهذا قول صحيح، وهذا قول صحيح، وإن لم يكن معنى أحدهما معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً.
- ومنه: ما يكون طريقتان مشروعتان، ورجل أو قوم سلكوا هذه الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين.
ثم الجهل أو الظلم: يحمل على ذم إحداهما، أو تفضيلها بلا قصد صالح، أو بلا علم، أو بلا نية وبلا علم.
إختلاف التضاد هو القولان المتنافيان
وأما إختلاف التضاد فهو: القولان المتنافيان: إما في الأصول وإما في الفروع - عند الجمهور الذين يقولون: ((المصيب واحد)) وإلا فمن قال: ((كل مجتهد مصيب)) فعنده: هو من باب إختلاف التنوع، لا إختلاف التضاد، فهذا الخطب فيه أشد، لأن القولين يتنافيان، لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقاً ما، فيرد الحق في الأصل هذا هذا كله، حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض، كما كان الأول مبطلاً في الأصل، كما رأيته لكثير من أهل السنة، في مسائل القدر والصفات والصحابة، وغيرهم،
وأما أهل البدعة: فالأمر فيهم ظاهر - وكا رأيته لكثير من الفقهاء، أو لأكثر المتأخرين في مسائل الفقه، وكذلك رأيت الاختلاف كثيراً بين بعض المتفقهة، وبعض المتصوفة، وبين فرق المتصوفة، ونظائره كثيرة.
ومن جعل الله له هداية ونوراً، رأى من هذا ما يتبين له به منفعة ما جاء في الكتاب والسنة: من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا ابتداء، لكن نور على نور.
إختلاف التنوع كل واحد من المختلفين فيه مصيب
وهذا القسم - الذي سميناه إختلاف التنوع - كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه، وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك - إذا لم يحصل بغي، - كما في قوله: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}.
وقد كانوا اختلفوا في قطع الأشجار، فقطع قوم وترك آخرون، وكما في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}. فخص سليمان بالفهم، وأثنى عليهما بالعلم والحكم.
وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم - يوم بني قريظة - لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها إلى أن وصل إلى بني قريظة.
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " ونظائره كثيرة.
ص: 149 - 154
ملاحظة: يرجع للكتاب لقراءة بسط كلام في ذلك