[دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب]
ـ[ميادة بنت كامل الماضي]ــــــــ[22 Jun 2006, 05:12 م]ـ
من لطائف وفوائد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى- في كتابه المسمى:
[دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب]
بسم الله .. والحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
هذه لطائف ووقفات من كتاب الشيخ الجليل رحمه الله /محمد الأمين الشنقيطي، رأيت أن أمتع بها أخواني وأخواتي في هذا الملتقى الطيب، تذكرة للبعض، وإفادة لآخرين. والله من وراء القصد.
قال الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه:
أما بعد: إن مقيد هذه الحروف – عفا الله عنه- أراد أن يبين في هذه الرسالة ما تيسر من أوجه الجمع بين الآيات التي يظن بها التعارض في القرآن العظيم، مرتباً لها بحسب ترتيب السورة، يذكر الجمع بين الآيتين غالباً في محل الأولى منهما، وربما يذكر الجمع عند محل الأخيرة، ولا سيما إذا كانت السورة ليس فيها مما يظن تعارضه إلا تلك الآية؛ فإنه لا يترك ذكرها والإحالة على الجمع المتقدم، وسميته: [دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب].
فنقول وبالله نستعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل: راجين من الله الكريم أن يجعل نيتنا صالحة، وعملنا كله خالصاً لوجهه الكريم، إنه قريب مجيب رحيم.
سورة البقرة
قوله تعالى: {ألم * ذلك الكتاب}
أشار الله تعالى إلى القرآن في هذه الآية إشارة البعيد. وقد أشار له في آيات أخر إشارة القريب كقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وكقوله: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} الآية، وكقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك}، وكقوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن}، إلى غير ذلك من الآيات.
وللجمع بين هذه الآيات أوجه:
الوجه الأول: ما حرره بعض علماء البلاغة من أن وجه الإشارة إليه بإشارة الحاضر القريب، أن هذا القرآن قريب حاضر في الأسماع والألسنة والقلوب. ووجه الإشارة إليه بإشارة البعيد، هو بُعد مكانته ومنزلته من مشابهة كلام الخلق، وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين.
الوجه الثاني: هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره، من أن ذلك إشارة إلى ما تضمنه قوله تعالى: {ألم}، وأنه أشار إليه إشارة البعيد؛ لأن الكلام المشار إليه مُنقضٍ، ومعناه في الحقيقة القريب لقرب انقضائه، وضرب له مثلا بالرجل يحدث الرجل فيقول له مرة: والله إن ذلك لكما قلت، ومرة يقول: والله إن هذا لكما قلت. فإشارة البعيد نظراً إلى أن الكلام مضى وانقضى، وإشارة القريب نظراً إلى قرب انقضائه.
الوجه الثالث: أن العرب ربما أشارت إلى القريب إشارة البعيد، فتكون الآية على أسلوب من أساليب اللغة العربية. ونظيره قول خفاف بن ندبة السلمي، لما قتل مالك بن حرملة الفزاري:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها
فعمداً على عيني تيممت مالكا
أقول له والرمح يأطر متنه
تأمَّل خفافاَ إنني أنا ذالكا
يعني أنا هذا. وهذا القول الأخير حكاه البخاري عن معمر بن المثنى أبي عبيدة. قاله ابن كثير. وعلى كل حال فعامَّة المفسرين على أن {ذلك الكتاب} بمعنى: هذا الكتاب.
ـ[ميادة بنت كامل الماضي]ــــــــ[22 Jun 2006, 05:57 م]ـ
قوله تعالى: {لا ريب فيه}
هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع "لا"، فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي من صيغ العموم، كما تقرر في علم الأصول.
و "لا" هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة عند النحويين: "لا" التي لنفي الجنس، أما "لا" العاملة عمل "ليس"، فهي ظاهرة في العموم لا نصَّ فيه.
وعليه، فالآية نصٌّ في نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس، كالكفار الشاكين، كقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا}، وكقوله تعالى: {وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}، وكقوله: {بل هم في شك يلعبون}.
ووجه الجمع في ذلك:
أن القرآن بالغ من وضوح الأدلة وظهور المعجزة، ما ينفي تطرق أي ريب إليه. وريب الكفار فيه إنما هو لعمى بصائرهم، كما بينه بقوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى}، فصرح بأن من لا يعلم أنه الحق، أن ذلك إنما جاءه من قبل عماه. ومعلوم ن عدم رؤية الأعمى للشمس لا ينافي كونها لا ريب فيها لظهورها:
¥