تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الوعظ بالقرآن عند الشيخ ابن عثيمين رحمه الله]

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[16 Sep 2006, 10:05 م]ـ

القرآنُ الكريم مَوعظةٌ كما سَمّاهُ الله تعالى بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس:57)، قالَ الشوكانيُّ رحمه الله في تفسير هذه الآيةِ:" {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} يَعْنِي القرآن فيهِ ما يتَّعِظُ به مَن قرأهُ وعَرَفَ مَعناهُ، والوَعْظُ في الأصلِ: هو التذكير بالعواقبِ سواء بالترغيبِ أو الترهيب، والواعظُ هو كالطبيبِ يَنهَى المريضَ عَمَّا يَضُرُّه ". ()

ولقد اهْتمَّ الشيخُ رحمه الله بهذا الجانبِ، فتجدهُ يُذَكِّرُ بالقرآنِ ويَعِظُ بآياتهِ، وسأذكرُ مِن الأمثلةِ ما يَدُلُّ على ذلك.

عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: من الآية66)

ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ المواعظَ قِسمَان: كَوْنِيَّةٌ، وشَرْعِيَّةٌ؛ فالموعظةُ هنا كَونِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ؛ لأنّ الله أحلَّ بهم العقوبةَ التي تكونُ نكالاً لما بينَ يديها، وما خلفها، وموعظةً للمتقينَ؛ وأمّا الشرعيةُ فمثلُ قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} (يونس: من الآية57)؛ والمواعظُ الكونيةُ أشَدُّ تأثيراً لأصحابِ القلوبِ القاسيةِ؛ أما المواعظُ الشرعيةُ فَهِيَ أعظمُ تأثيراً في قلوبِ العارفينَ بالله الليِّنةِ قلوبهم؛ لأنّ انتفاعَ المؤمنِ بالشرائعِ أعظمُ مِن انتفاعهِ بالمقْدُورَات.

ومن فوائدِ الآيتين: أنّ الذينَ ينتفعونَ بالمواعظِ هم المتقونَ؛ وأمّا غير المتَّقِي فإنّه لا ينتفعُ لا بالمواعظِ الكونيةِ، ولا بالمواعظِ الشرعيةِ؛قد ينتفعُ بالمواعظِ الكونيةِ اضطرارًا، وإكراهًا؛ وقد لا ينتفع؛ وقد يقولُ: هذهِ الأشياءُ ظَواهِرُ كونيةٌ طبيعيةٌ عاديةٌ، كما قالَ تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} (الطور:44)؛ وقد ينتفعُ، ويَرجِعُ إلى الله تعالى، كما قالَ تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:65)، وقالَ تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان:32).

ومِن فوائدِ الآيتين: أنّ مِن فوائدِ التقوى - وما أكثر فوائدها - أنّ المتَّقِي يَتَّعِظُ بآياتِ الله ? الكونيّةِ والشرعيّة ". ()

فَبَيَّنَ فِيمَا سبقَ أقسامَ الموعظةِ ومَن ينتفعُ بها، وأنّ الاتّعاظَ مِن ثمارِ التقوى.

وفي مَوضعٍ آخرَ بيّنَ أنّه ينبغي للواعظِ أنْ يجمعَ في وَعْظِهِ بينَ الترغيبِ والترهيب مُتَّبِعًا في ذلكَ طريقةَ القرآن.

فعند تفسيره لقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} (الزمر: من الآية23)

قال:" المثاني:أن يُقْرَنَ المعنى وما يُقابله، فتأمّل الآياتِ الكريمةِ تجد أنّه إذا ذُكرت النار ذُكرت بعدها الجنّة، وإذا ذُكر أهل النارِ ذُكر بعدهم أهل الجنّةِ؛ وهكذا، وذلكَ مِن أجْلِ أنْ لا يَمَلَّ السامعُ مِن مَوضوعٍ واحد، ومِن أجْلِ أن ينتقلَ مِن تخويفٍ إلى ترغيب فينشطَ لفعلِ الواجباتِ ويحذرَ مِن فعلِ المحرّماتِ، وهذا مِن أساليبِ البلاغةِ التَّامَّةِ ". ()

وذكرَ مِن فوائدِ الآيةِ:" أنّ القرآنَ قد بَلَغَ الغايةَ في البلاغةِ لِكَوْنِهِ يأتي مَثانِيَ، ويتفرّعُ على هذه الفائدةِ أنّه ينبغي لِمَنْ تكلّمَ في مَوعظةِ الناسِ أنْ لا يأتي بالترغيبِ المُطْلَقِ ولا بالترهيبِ المُطْلَقِ، وذلكَ لأنّه إذا أَتَى بالترغيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على الرَّجَاءِ فَتَهاونُوا، وإذا أَتَى بالترهيبِ المُطْلَقِ حَمَلَهُمْ على اليَأْسِ فقنطوا مِن رحمةِ الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير