[لطائف من تفسير التحرير والتنوير]
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[22 Jul 2006, 08:18 م]ـ
الحمد لله، وبعد:
فقد يسَّر الله لي الشروع في استخراج لطائف من كتاب (التحرير والتنوير) للعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ولم أنتهِ بعدُ من هذا العمل، وإليكم معاشر الأحبة مقدمة هذا الكتاب المقترح، آمل منكم تزويدي بما ترونه من اقتراحات وملحوظات على التفسير المذكور، وعلى طريقة استخراج اللطائف، والله يحفظكم.
مقدمة الكتاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
فإن القرآن الكريم كلام الله - عز وجل - أنزله على قلب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذرين.
وما زال العلماء - منذ نزوله - يتعاقبون على دراسته، ويعكفون على النهل من معينه، والتزود من هدايته.
هذا وإن لعلماء التفسير من ذلك أوفرَ الحظ والنصيب؛ حيث صرفوا همهم لتدبر كتاب الله، وفهم مراده - عز وجل - فكان من ذلك المؤلفاتُ العظيمة في التفسير على اختلاف مناهج أصحابها.
ومن أعظم ما أُلِّف في هذا الشأن في العصور المتأخرة ما رقمته يراعةُ العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله- وذلك في تفسيره المعروف بـ: التحرير والتنوير.
فهو تفسير عظيم حافل بما لذ وطاب من العلوم، ولا غرو في ذلك؛ فصاحبه عالم كبير، وجهبذ نحرير، له يد طولى، وقِدْح مُعَلَّى في علوم شتى.
والذي يطَّلع على مؤلفاته الكثيرة المتنوعة يراها تحمل طابعاً مميزاً، وطرزاً فريداً لا تجده إلى عند الندرة من العلماء، وفي القليل من المؤلفات.
ومع ذلك فإن هذا العالم لم يأخذ حظَّه من الذيوع والشهرة.
ونظراً لعظم شأن تفسيره، ولأنه مليء بكنوز من العلم والمعارف، والثقافة، ولكونه مطولاً يقع في ثلاثين جزءاً، وفي صفحات يصل عددها إلى أحد عشر ألفاً ومائة وسبع وتسعين صفحة، وهذا مما يصرف عن قراءته - فقد رأيت أن أستخرج بعض اللطائف الرائعة، واللفتات البارعة التي احتوى عليها ذلك التفسير العظيم؛ رغبةً في عموم النفع، وإسهاماً في التعريف بذلك العمل الجليل الذي لا يخطر لكثير من طلبة العلم - فضلاً عن غيرهم - ما يشتمل عليه من نفائس العلم وغواليه.
وقد خطر لي في بداية الأمر أن أرتب تلك النقول المنتقاة، وذلك بتصنيف الفوائد، وترتيبها، على حسب الفنون؛ فيفرد فصل للمسائل الأصولية، وفصل للمسائل النحوية، وفصل للنكت البلاغية، وفصل للنظرات في الطب، وفصل لآرائه في النقد والأدب وهلم جرا.
فرأيت أن ذلك سيطول، وأنه يحتاج إلى عدد من الرسائل العلمية خصوصاً وأن المقطع الواحد من كلامه يشتمل على عدد كبير من العلوم.
فليس لي - إذاً - إلا مجرد الانتقاء، ولم أشأ إثقال الكتاب بالحواشي؛ فما وجد من ذلك فهو من صنيع المؤلف، وإذا كان مني فإني أرمز إليه بـ (م).
وقبل الشروع في إيراد تلك اللطائف المنتقاة هذا تعريف عام بالكتاب:
أولاً: اسم الكتاب: يقول مؤلفه ابن عاشور في مقدمة كتابه 1/ 8 - 9: "وسميته (تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد) واختصرت هذا الاسم باسم: (التحرير والتنوير من التفسير) " فهذه تسمية مؤلفه له.
ثم اشتهر هذا التفسير باسم: (التحرير والتنوير) و (تفسير التحرير والتنوير) كما هو على ظهر غلاف الكتاب المطبوع.
ثانياً: قصة تأليفه للكتاب وبدايته ونهايته: لقد كان تفسير الكتاب المجيد أكبر أمنية كان يتمناها الشيخ ابن عاشور - كما يقول في مقدمته -.
ولكنه كان يتردد كثيراً، فتارة يقدم، وتارة يحجم؛ إذ كانت الصوارف تعوقه، والتهيب من الإقدام على هذا الأمر العظيم يقف دونه.
وبعد تردد، واستخارة، واستعانة بالله - عز وجل - عقد العزم على الشروع في التفسير، وأقدم عليه - كما يقول -: إقدام الشجاع على وادي السباع.
وكانت بداية تأليفه للتفسير عام 1341هـ، وفرغ منه عام 1380هـ.
وبعد فراغه منه ختمه بكلمة عظيمة مؤثرة قال فيها: "وإن كلام رب الناس حقيق بأن يُخدم سعياً على الرأس, وما أدّى هذا الحق إلا قلم مفسر يسعى على القرطاس, وإنَّ قلمي استنَّ بشوط فسيح, وكم زُجِرَ عند الكَلالِ والإعياء زجر المنيح, وإذ قد أتى على التمام فقد حقَّ له أنْ يستريح.
¥