تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دراسة أقوال المفسرين في المراد بهمّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[30 Aug 2006, 10:15 ص]ـ

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}

قال ابن القيم في سياق بيانه لعفاف يوسف عليه السلام:

(فإن قيل: فقد هم بها، قيل عنه جوابان:

أحدهما: أنه لم يهم بها، بل لولا أن رأى برهان ربه لهمّ. هذا قول بعضهم في تقدير الآية.

والثاني - وهو الصواب -: أن همّه كان همَّ خطرات، فتركه لله، فأثابه الله عليه، وهمّها كان هم إصرار، بذلت معه جهدها، فلم تصل إليه؛ فلم يستوِ الهمّان.

قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: الهمّ همّان: هم خطرات، وهم إصرار؛ فهم الخطرات لا يؤاخذ به، وهم الإصرار يؤاخذ به. ([1])) ([2])

وقال في موضع آخر - في سياق كلام له عن التقديم والتأخير، وأن العرب لا يأتون بالتقديم والتأخير إلا حيث لا يلتبس على السامع، ولا يقدح في بيان مراد المتكلم -: (وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك، كما يدعي من التقديم في قوله: ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ ?، وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها؛ فهذا أولاً لا يجيزه النحاة، ولا دليل على دعواه، ولا يقدح في العلم بالمراد.) ([3])

الدراسة:

مسألة همّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز مسألة كثر حولها الكلام، وتباينت الأقوال في إيضاحها، واختلفت مواقف المفسرين منها. وقد أفردها بالتصنيف بعض الباحثين.

وقد اقتصر ابن القيم في كلامه السابق على قولين في هذه المسألة:

القول الأول: أنه لم يقع من نبي الله يوسف همّ أصلاً؛ لأن رؤيته لبرهان ربه منعته من ذلك الهمّ.

القول الثاني: أنه قد همّ بها فعلاً، ولكنه همّ خطرات، لا هم عزيمة على الفعل؛ فهو من قبيل حديث النفس الذي لا يمكن دفعه، وهو ما لا يؤاخذ به المرء كما صح معنى ذلك في الحديث الصحيح ([4])، بل إن من ترك هذا الهمّ لله كتب له به حسنة كما ثبت هذا المعنى أيضاً في الحديث الصحيح. ([5])

وقد رجح ابن القيم هذا القول، وذكر أنه الصواب.

وفي معنى هذا الهمّ من يوسف أقوال أخرى ([6])، أشهرها، وهو القول الثالث: أنه همّه كان من جنس همها، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل. وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين. ([7])

وفيما يأتي عرض لموقف أئمة التفسير من هذه الأقوال:

اعتمد ابن جرير في تفسيره ما نُقل عن جمهور السلف في تفسير الهم، حيث قال: (ومعنى الهمّ بالشيء في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعته، ما لم يواقع.

فأما ما كان من همّ يوسف بالمرأة وهمّها به، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ... ) ثم ذكر الآثار في تفسير ذلك، ومفادها أن يوسف عليه السلام قد همّ بمواقعتها، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، بعد أن حلت ثيابها، وحلّ ثيابه. ([8])

وهذه الآثار تدل على أن همّه بها كان من جنس همها به.

ولمّا كانت هذه الأقوال دالةً على أن يوسف قد وقع فيما لا يليق؛ قال ابن جرير: (فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا وهو لله نبيّ؟.) ثم أجاب عن ذلك بقوله: (قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: كان ممن ابتلي من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها ليكون من الله عزّ وجلّ على وَجَل إذا ذكرها، فيجدّ في طاعته إشفاقاً منها، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته.

وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحة عنهم وتركه عقوبته عليه في الآخرة.

وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنه إذا تابوا.)

وبعد هذا قرر أن من قال بغير ذلك فقد خالف أقوال السلف، وتأول القرآن برأيه. وذكر أنهم اختلفوا في معنى الآية على ثلاثة أقوال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير