[الأسس الفكرية لتفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب.]
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[15 Aug 2006, 04:12 ص]ـ
إن فهم تفسير "في ظلال القرآن" - في نظرنا- يتوقف على تحديد الأسس الفكرية التي يقوم عليها، فبها نستطيع إدراك الأهداف التي يرمي إليها المفسر، ثم إذا أضفنا إلى تلكم الأسس الدراسة النصية القائمة على التحليل والمقارنة، تمكنا من تحديد المنهج والاتجاه التفسيري الذي يمكن أن نصنف إليه هذا التفسير.
ويمكن تقسيم هذه الأسس الفكرية إلى أربعة أسس رئيسية وهي:
1 - أسس تتعلق بالعقيدة.
2 - أسس تتعلق بطبيعة الدين الإسلامي.
3 - أسس تتعلق بطبيعة الإنسان وعلاقته بخالقه، وبأخيه الإنسان، وبالكون من حوله.
4 - أسس تتعلق بواقع البشرية في العصر الحديث.
وهذه الأسس الفكرية تشكل المحور الأساسي لتفسير "في ظلال القرآن"، كما أنها تمثل خلاصة فكر سيد قطب -رحمه الله- بعد أن تدرج في الحياة، كأديب مبدع، ثم مفكر إسلامي، ثم مفسر للقرآن الكريم، كما أنها تعتبر نتيجة موضوعية للوعي الكامل والشامل بواقع الأمة الإسلامية في العصر الحديث والرغبة الطموح إلى كسر رتابة حياتها، ورفع نير التبعية والاستعباد عن رقاب أبنائها، وإحداث انقلاب شامل في حياتها، وحياة الأمم الأخرى من حولها، انقلاب في التصورات والمبادئ والقيم، وانقلاب في الأشواق والرغبات، ليستعلى الإيمان.
1 - أسس تتعلق بالعقيدة:
أ- التوحيد:
عقيدة التوحيد هي أصل الأصول في العقيدة الإسلامية، وهي تمثل القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي، وهي «مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد تقر له بالسيادة المطلقة، وتنفض عن كأهلها زحمة الأرباب المتفرقة ... ومن ثم كان التوحيد الكامل الخالص، المجرد الشامل، الذي لا تشوبه شائبة من قريب ولا من بعيد، هو قاعدة التصور التي جاء بها الإسلام وظل يجلوها في الضمير، ويتتبع فيه كل هاجسة، وكل شائبة حول حقيقة التوحيد، حتى يخلصها من كل غبش، ويدعها مكينة راكزة لا يتطرق إليها وهم في صورة من صوره».
وتخصيص الله وحده بالعبودية ما هو إلا إعلان لتحرير الإنسان تحريرا كاملا من ربقة التبعية والخضوع لغير الله سواء أكان بشرا أو حجرا أو بقرا أو هوى أو شيطانا، «وإذا كان الله وحده هو الذي يعبد، والله وحده هو الذي يستعان فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات».
ب- الحاكمية:
لا يفرق سيد قطب رحمه الله بين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وبين التلقي من الله وحده في التشريع، فهي جميعا من مقتضيات التوحيد، وفي ذلك يقول: «هذه الوحدانية الحاسمة الناصعة هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي، والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها، فعن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة، فلا يكون الإنسان عبدا إلا لله، ولا يتجه بالعبادة إلا لله، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله، وما يأمره الله به من الطاعات، وعن هذا التصور تنشأ قاعدة: الحاكمية لله وحده، فيكون الله وحده هو المشرع للعباد ويجيء تشريع البشر مستمدا من شريعة الله».
وهذا الرأي قد ذهب إليه من قبل الأستاذ أبو الاعلى المودودي رحمه الله في كتابه "الحكومة الإسلامية" حيث نص على أن القرآن الكريم يوضح «توضيحا تاما حاكمية الله القانونية، ويقدمها جنبا إلى جنب مع عقيدة "معبودية" الدينية، ويؤكد على أن هاتين الصفتين هما المقتضيات اللازمة لألوهيته تعالى، وأن كلا منهما لا تنفصم عن الأخرى، وإنكار إحداهما يستلزم بالضرورة إنكار ألوهية الله، ولم يدع القرآن مجالا يظن منه احتمال فهم القانون الإلهي على أنه قانون الفطرة، بل على العكس أقام دعوته على أساس حتمية تسليم الإنسان بقانون الله الشرعي في حياته الأخلاقية والمجتمعية، وهو القانون الذي بعثه الله على يد الأنبياء، وقد سمى قبول هذا القانون الشرعي، والتخلي أمامه عن الحرية الشخصية "إسلاما"، ورفض في عبارات وألفاظ واضحة حق الإنسان في أن يفصل برأيه في الأمور التي أصدر الله ورسوله فيها حكما وفصلا {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}». بل إن سيد قطب يعد توحيد الحاكمية
¥