[التراث التفسيري لسيد قطب.]
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[15 Aug 2006, 03:58 ص]ـ
هناك عدة عوامل قد تآزرت لتجعل من سيد قطب مفسرا للذكر الحكيم ويمكننا أن نجملها في ما يلي:
1. نشأته في بيت علم وصلاح، يتردد في جنباته عبير تلاوة القرآن، وشذى ترديد آيه، فتنسم سيد هذا الشذى، وذلك العبير، وهو طفل صغير، فترسخ في وجدانه حب القرآن.
2. دراسته بدار العلوم، وهي معقل من معاقل العلم والأدب، مما جعل سيد قطب يتكون تكوينا علميا وأدبيا رفيعا، أهله لأن يكون مفسرا للذكر الحكيم.
ويمكننا ان نحصر كتاباته حول تفسير القرآن الكريم في الكتب التاليه:
أ- التصوير الفني في القرآن (1945)
ب- مشاهد القيامة في القرآن (1945)
ح- خصائص التصور الإسلامي
د- في ظلال القرآن (1953 - 1964)
ويعتبر تفسير "في ظلال القرآن" الذي فسر فيه صاحبه القرآن الكريم كله، بمنهج خاص ورؤية خاصة اهم ما تركه لنا سيد قطب رحمه الله، وفي الوقت نفسه من أهم تفاسير القرآن الكريم الحديثة.
3 - التطور التاريخي لتفسير " في ظلال القرآن".
إن أي إنجاز علمي ضخم لا يمكن أن يولد مرة واحدة، كاملا، لا تعتوره أي هنات فكرية أو منهجية أوعلمية، بل لابد له من مراحل يقطعها، ولابد له من مدة زمنية تصهر فيها ذات العالم أو المؤلف أوالكتاب، وتختمر فيها أفكاره، وتعركه فيها الأيام، وتحنكه الشدائد، فتتضح الرؤية، ويرتفع الغبش وتنجلي الحجب.
فإذا كان هذا الإنجاز العلمي الضخم يدور حول كتاب الله تعالى، فإن الأمر يصبح عاديا، بل مطلوبا. إن القرآن الكريم تتكشف حقائقه، وتشع أنواره كلما التحم به المؤمن التحاما حقيقيا وصادقا، وخالصا، والإيمان، والصدق، والإخلاص في جملتها تشكل مفتاح كنوز القرآن الكريم، وتعاقب الأيام، وتوالي الابتلاءات، ومجاهدة الواقع، والنفس، والهوى، والشيطان كلها براهين على الإيمان بالحقيقة التي يعيش الإنسان من أجلها، وصدق التوجه إليها والعمل على تحقيقها في الواقع، والإخلاص في تنفيذها بتعليق الأجر والثواب على الله سبحانه، والإيمان والصدق والإخلاص قيم ثلاث لا توجد في الإنسان دفعة واحدة، ولا يتملكها مرة واحدة، فهي درجات يرتقيها المرء واحدة تلو الأخرى، وكلما ارتقى درجة تكشفت حقيقة، وارتفع حجاب من الحجب التي تعتم الرؤية، وشعت في النفس أنوار قدسية تمنحها الشفافية، وتؤهلها للعيش في ظلال القرآن الوارفة. وهذا هو ما حصل بالنسبة لسيد قطب رحمه الله فإن تفسيره "في ظلال القرآن " لم يولد دفعة واحدة، بل سبقت ميلاده إرهاصات تمثلت في ثلاثة كتب وهي:
1 - التصوير الفني في القرآن الكريم الذي لم ينجزه هو الآخر دفعة واحدة، بل ولد عبارة عن مقال بمجلة المقتطف سنة 1939 بنفس العنوان (1)، وقد حاول فيه الكشف عن جوانب من الإعجاز الفني للقرآن الكريم، وبين فيه «القدرة القادرة التي تصور بالألفاظ المجردة ما تعجز عن تصويره الريشة الملونة، والعدسة المشخصة» (2).
ولم يتمكن سيد قطب رحمه الله من إخراج بحثه هذا في صورة كتاب إلا سنة 1945. وعندها اكتشف «أن الصور في القرآن ليست جزءا منه يختلف عن سائره، إن التصوير هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل، القاعدة الأساسية المتبعة في جميع الأغراض، فيما عدا التشريع بطبيعة الحال ... » (3).
ويعترف سيد رحمه الله أن كتابه "التصوير الفني في القرآن" كان فاتحة فهمه وتذوقه للقرآن الكريم، ففيه اكتشف الوحدة الفنية والجمالية الجامعة لطرائق التعبير في القرآن الكريم، والمتمثلة في قاعدة "التصوير" وفي ذلك يقول: «وحين انتهيت من التحضير للبحث، وجدتني أشهد في نفسي مولد القرآن من جديد، لقد وجدته كما لم أعهده من قبل أبدا، لقد كان القرآن جميلا في نفسي نعم، ولكن جماله كان أجزاء وتفاريق أما اليوم فهو عندي جملة موحدة، تقوم على قاعدة خاصة، قاعدة فيها من التناسق العجيب ما لم أكن أحلم من قبل به، وما لا أظن أحدا تصوره» (1).
2 - أما الكتاب الثاني فهو "مشاهد القيامة في القرآن" الكريم وهو عبارة عن تطبيق للنظرية الفنية الجمالية للتعبير في القرآن الكريم، والتي فصل الحديث عنها في كتابه الأول، والتي تستند إلى قاعدة "التصوير".
¥