تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الجانب السلوكي في تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله]

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[22 Sep 2006, 04:18 م]ـ

الاهتمامُ بإصلاحِ النفسِ وتهذيبها وتزكيتها مِن مَقاصدِ القرآنِ الكريمِ، ومِن سِيْمَا العلماءِ الربّانيّينَ؛ ولذا فقد نالَ هذا الجانبُ عنايةَ الشيخِ رحمه الله في تفسيره، وتجلَّى ذلكَ في أمرينِ:

الأمر الأول: الفوائد المسْلَكيَّةُ مِن الآياتِ

بَرَزَ هذا الجانبُ عند تفسيرهِ للآياتِ التي أوردها شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ رحمه الله في العقيدةِ الواسطيةِ، فبعدَ تفسيرها وبيانِ معناها يقول: الفوائدُ المسلكيةُ مِن الآيات.

ومِن أمثلةِ ذلكَ:

عند تفسيرهِ للآياتِ الواردةِ في إثباتِ صفةِ المحبّةِ قالَ:" وهُنَا سُؤالانِ:

الأول: بماذا يَنالُ الإنسانُ مَحبّةَ الله ?؟ " ثُمَّ ذكرَ جوابهُ.

" السؤالُ الثاني: ما هي الآثارُ المسلكيةُ التي يستلزمها ما ذُكِر؟

والجوابُ:

أولاً: قولهُ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: من الآية195): يقتضي أنْ نُحْسِنَ، وأنْ نحرصَ على الإحسانِ، لأنّ الله يُحِبُّه، وكُلُّ شيءٍ يُحِبُّه الله،فإنَّنا نحرصُ عليهِ.

ثانياً: قوله: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات: من الآية9): يقتضي أنْ نعدلَ ونحرصَ على العدلِ.

ثالثاً: قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: من الآية7): يقتضي أنْ نَتَّقِيَ الله ?، لا نَتَّقِي المخلوقينَ بحيث إذا كانَ عندنا مَن نستحي مِنه مِن الناسِ، تَرَكْنَا المعاصي، وإذا لم يكنْ، عَصَيْنَا، فالتقوى أنْ نَتَّقِيَ الله ?،ولا يُهمّك الناس. أصلحْ ما بينكَ وبينَ الله، يُصْلِحْ الله ما بينكَ وبينَ الناسِ. أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبين الله، يُصْلِح الله ما بينكَ وبينَ الناسِ. أنظر يا أخي إلى الشيءِ الذي بينكَ وبينَ رَبِّكَ، ولا يُهمَّكَ غير ذلكَ، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: من الآية38). افعلْ ما يقتضيهِ الشرعُ، وستكونُ لكَ العاقبة.

رابعاً: يقولُ الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: من الآية222)،وهذهِ تَستوجِبُ أنْ أُكْثِرَ التوبةَ إلى الله ?، أُكْثِرَ أنْ أرجعَ إلى الله بقلبي وقالبي، ومُجرَّدُ قَوْلِ الإنسان: أتوبُ إلى الله. هذا قد لا يَنفعُ، لكنْ تَستحْضِر وأنتَ تقولُ: أتوبُ إلى الله: أنّ بينَ يديكَ مَعاصِي، تَرجِعُ إلى الله مِنها وتَتُوب، حتّى تنالَ بذلكَ مَحبَّةَ الله.

{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: من الآية222): إذا غسلتَ ثوبكَ مِن النجاسةِ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ؛ لأنّ الله يُحِبُّ المتطهرين. إذا توضَّأتَ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ؛ لأنكَ تَطهَّرْتَ. إذا اغتسلتَ، تُحِسُّ بأنّ الله أحبَّكَ، لأنّ الله يُحِبُّ المتطهرين.

ووالله، إنَّنَا لغافلونَ عن هذهِ المعاني، أكثرُ ما نستعملُ الطهارةَ مِن النجاسةِ أو مِن الأحداثِ، لأنّها شرطٌ لصحةِ الصلاةِ، خَوفًا مِن أنْ تَفسُدَ صَلاتُنا، لكنْ يغيبُ عَنَّا كثيراً أنْ نَشعُرَ بأنّ هذا قُرْبَةٌ وسببٌ لمحبةِ الله لنا، لو كُنَّا نستحضرُ عندما يغسلُ الإنسانُ نقطةَ بولٍ أصابتْ ثَوْبَهُ أنّ ذلكَ يجلبُ مَحَبَّةَ الله لهُ، لَحَصَّلْنَا خيراً كثيراً، لكنّنا في غفلةٍ.

خامساً: قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: من الآية31): هذا أيضاً يستوجبُ أنْ نحرصَ غايةَ الحرصِ على اتّباعِ النبي ?، بحيث نَتَرَسَّمُ طريقهُ، لا نخرج مِنه، أو نَقْصُر عنهُ، ولا نزيد، ولا ننقص.وشُعورنا هذا يَحمِينا مِن البدعِ، ويَحمِينا مِن التقصيرِ، ويَحمِينا مِن الزيادةِ والغُلُوِّ، ولو أنَّنَا نشعرُ بهذهِ الأمورِ؛ فانظر كيفَ يكونُ سُلوكُنَا وآدَابُنَا وأخْلاقُنَا وعِبادَاتُنَا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير