تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دراسة لأقوال المفسرين في المراد بـ: (أمرنا مترفيها) مع التعقيب على رأي ابن القيم]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[25 Aug 2006, 11:48 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: ? وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ? (الاسراء:16)

قرر ابن القيم أن الأمر في قول الله تعالى هنا: ? أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ? هو الأمر الكوني القدري، لا الأمر الشرعي، وبيّن أن هذا التفسير أرجح من تفسير من فسّر الآية بقوله: "أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا" من وجوه كثيرة.

قال رحمه الله وهو يذكر الأمثلة من القرآن على الأمر الكوني:

(وقوله: ? وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ?، فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي؛ فإن الله لا يأمر بالفحشاء. والمعنى: قضينا ذلك وقدرناه.

وقالت طائفة: بل هو أمر ديني. والمعنى: أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا.

والقول الأول أرجح لوجوه:

أحدها: أن الإضمار على خلاف الأصل؛ فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه.

الثاني: أن ذلك يستلزم إضمارين، أحدهما: أمرناهم بطاعتنا، والثاني: فخالفونا أو عصونا، ونحو ذلك.

الثالث: أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه، كقولك: أمرته ففعل، وأمرته فقام، وأمرته فركب؛ لا يفهم المخاطب غير هذا.

الرابع: أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور. ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك، بل هو سبب للنجاة والفوز.

فإن قيل: أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك.

قيل: هذا يبطل بالوجه الخامس: وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين، بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم؛ فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة للمترفين.

يوضحه الوجه السادس: أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم. ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال: أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها؛ فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم: نحن لم يرسل إلينا.

السابع: أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم، لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم، قال تعالى: ? ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ? (الأنعام:131)، فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها، فأمر رؤساءها ومترفيها أمراً كونياً قدرياً – لا شرعياً دينياً - بالفسق في القرية، فاجتمع على أهلها تكذيبُهم وفسقُ رؤسائهم؛ فحينئذ جاءها أمر الله، وحق عليها قوله بالإهلاك.) ([1])

وقال في موضع آخر: (ونظير هذا لفظ الأمر؛ فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع. والثاني قد يعصى ويخالف، بخلاف الأول، فقوله تعالى: ? وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ? لا يناقض قوله: ? إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ? (لأعراف: من الآية28)، ولا حاجة إلى تكلف تقدير: أمرنا مترفيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها، بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير، لا أمر تشريع، لوجوه:

أحدها: أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به، كما تقول: أمرته فقام، وأمرته فأكل، كما لو صرح بلفظه:» أفعل «، كقوله تعالى: ? وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ? (البقرة: من الآية34)، وهذا كما تقول: دعوته فأقبل. وقال تعالى: ? يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ? (الإسراء: من الآية52).

الثاني: أن الأمر بالطاعة لا يختص بالمترفين؛ فلا يصح حمل الآية عليه، بل تسقط فائدة ذكر المترفين؛ فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة فلا يصح أن يكون أمر المترفين علة إهلاك جميعهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير