[الأسماء الحسنى في الفاصلة القرآنية]
ـ[روضة]ــــــــ[29 Sep 2006, 04:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فإن كتاب الله معجز ... أعجز الجن والإنس، وأحببت أن أبحث فيما يدلل على إعجازه، ويثبت أنه في أعلى درجات البلاغة. . . لا يرقى إليه كلام أحد، فقمت بالكتابة حول سر اختيار أسماء الله الحسنى في الفواصل القرآنية، ووجه ارتباطها بالآيات، فبحثت في مئة فاصلة، وأسأل الله أن يعينيي على المواصلة في بقية الفواصل في رسالة علمية موسعة.
وسر اختيار الاسم بحث عن صلة هذا الاسم بالآية الكريمة، وهذا يحتاج أولاً إلى معرفة المعنى الدقيق للاسم الكريم، وبيان الفروق المعنوية بين الأسماء التي يُظن بها الترادف، ومعرفة معنى الآية، وقد يتعدى ذلك إلى معرفة سياقها، ثم الربط بين الاسم والآية، لهذا كان لا بد من الاستعانة بمعجمات اللغة، والكتب التي تهتم ببيان الفروق اللغوية بين الألفاظ، ولا يُستغنى عن التفاسير وخاصة ذات الاتجاه اللغوي والبياني.
أسأل الله التوفيق، وأسأل القراء التصويب والإضافة ..
أولاً: تعريف الفاصلة
الفاصلة (لغة):
لمادة (فَصَلَ) في اللغة العربية أصل واحد تلتقي عليه الاستخدامات المختلفة لهذه المادة، وهو: البَون ما بين الشيئين، والفصل من الجسد: موضع المفصل، وبين كل فصلين وصل، مثل ذلك: الحاجز بين الشيئين، والفاصلة: الخرزة التي تفصل بين الخرزتين في النظام، وقد فصّل النظم، وعقد مفصّل، أي جعل بين كل لؤلؤتين خرزة، ومثله: الفصل القضاء بين الحق والباطل.
ومنها: التفصيل: التبيين، ومنها: الفصل واحد الفُصول: أي القِِطع.
والفاصلة في علامات الترقيم في الكتابة العلامة التي تُوضع بين الجمل التي يتركب منها كلامٌ تام الفائدة.
الفاصلة (اصطلاحاً):
استخدمت الفاصلة اصطلاحاً في عدد من علوم العربية: في النحو، وفي العروض، وفي علامات الترقيم، وما يهمنا هو استخدامها في (علوم القرآن)، وقد تعددت تعريفات العلماء لها في هذا المجال، سأقتصر على تعريفين: تعريف للأقدمين، وتعريف للمحدثين.
قال الإمام الرماني: "إن الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني"، وتبعه القاضي الباقلاني في هذا التعريف في كتابه (إعجاز القرآن).
ونجد تفصيلاً أكثر عند المحدثين، قال د. فضل عباس: "الفواصل هي أواخر كلمات الآي، كالقافية آخر كلمات البيت، وكالسجعة في الكلام المسجوع، وقد أطلقوا على أواخر آي القرآن فواصل أخذاً من قوله تعالى: (كتاب فصلت آياته) [فصلت:3]، وابتعاداً عن أن تسمى أسجاعاً، وقد دار خلاف بين العلماء: أيجوز أن يقال: إن في القرآن سجعاً؟ فمنعه بعضهم، منهم الإمام الرماني المعتزلي، والقاضي الباقلاني ـ رحمهما الله ـ وأجازه الأكثرون"، وتعريفات القدماء والمحدثين للفاصلة لا تخرج عن هذين التعريفين.
ثانياً: الكلمة القرآنية مختارة منتقاة
إن من مظاهر إعجاز القرآن الكريم أن الكلمة فيه تقع موقعها اللائق بها، فلا يمكن استبدالها بكلمة أخرى، وإلا أدى ذلك إلى اضطراب في الكلام.
وإنما كان ذلك كذلك؛ لأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة، وعمود البلاغة ـ كما يقول الإمام الخطابي ـ: "هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا بُدّل مكانه غيره جاء منه: إما تبدّل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة، ذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك، ولأن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشتركان في بعضها "، وهذا يقودنا إلى نفي الترادف، ووسيتم الحديث عنه إن شاء الله.
والحديث عن اختيار الكلمة القرآنية ملاحظ بوضوح في كلام العلماء ـ متقدمين ومتأخرين ـ فالجاحظ يرى أن القرآن بليغ من حيث ألفاظه المختارة المنتقاة، ومن حيث نظمه ورصفه .. إلخ، والقاضي عبد الجبار يجعل اختيار الكلمة نفسها دعامة من دعامات فصاحة القرآن الكريم.
¥