[منهج ابن عاشور في تفسيره، وخلاصة ما اشتمل عليه]
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[03 Oct 2006, 11:33 م]ـ
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد طلب مني الزميل الشيخ الفاضل الدكتور إبراهيم الحميضي أن أبدي ما عندي حول تفسير ابن عاشور -رحمه الله- وعقيدته.
واستجابة لطلبه الكريم هذه نبذة عن منهج ابن عاشور ومجمل ما اشتمل عليه تفسيره.
حيث يسَّر الله لي قراءة التفسير، وكتبت بعض ما رأيته، ولم تكتمل الكتابة بعد؛ فهي تحتاج إلى مزيد عناية وتحرير، ولعل الله ييسر إخراج كتاب حول ذلك التفسير اسمه (لطائف من تفسير التحرير والتنوير).
فإلى أحبتي رواد ملتقى أهل التفسير هذه الخلاصة في بيان منهج ابن عاشور ومجمل ما اشتمل عليه تفسيره.
[منهج ابن عاشور في تفسيره، وخلاصة ما اشتمل عليه]
لقد سلك ابن عاشور في تفسيره منهجاً متميزاً، فجاء محتوياً على مزايا عظيمة، متضمناً علوماً كثيرة، وفوائد جمة وربما كانت عزيزة.
وقد بذل في هذا التفسير قصارى جهده، واستجمع قواه العقلية والعلمية؛ فتجلت فيه مواهبه المتعددة، وتبين من خلاله علوُّ كعبه وعلميته الفذة النادرة، ومنهجه التربوي، ونظراته الإصلاحية.
ولقد بين -رحمه الله- في مقدمته الرائعة منهجه بإجمال، ويمكن حصر ذلك بما يلي:
1 - بدأ تفسير ه بمقدمات عشر؛ لتكون - كما يقول - عوناً للباحث في التفسير، وتغنيه عن مُعاد كثير، وهذه المقدمات تضمنت علماً غزيراً عظيماً.
2 - اهتم ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية، وأساليب الاستعمال.
3 - اهتم ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض.
4 - لم يغادر سورة إلا وبين أغراضها، وما تشتمل عليها بإجمال.
5 - اهتم بتحليل الألفاظ، وتبيين معاني المفردات بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميسُ اللغة.
6 - عُنِيَ باستنباط الفوائد، وربطها بحياة المسلمين.
7 - حَرِصَ على استلهام العبر من القرآن؛ لتكون سبباً في النهوض بالأمة.
فهذا مجمل منهجه الذي بيَّنه، وسار عليه.
أما منهجه على وجه التفصيل فيحتاج إلى مزيد بسط وبيان.
وفيما يلي بيان لذلك، ومن خلاله سيتبين خلاصة ما اشتمل عليه التفسير من العلوم والمعارف.
1 - منهجه في العقيدة: لقد سار -في الجملة- على منهج السلف الصالح في أبواب العقيدة عدا آيات الصفات؛ فهو يسير فيها على وفق منهج الأشاعرة، وإن كان يخالفهم أحياناً، ويقترب من منهج السلف أحياناً.
وإذا تعرَّض لتأويل آية جاء بأقوال السلف، وربما انتصر لهم، وإذا خالفهم في تأويل صفة أثنى عليهم، واعتذر لهم دون تعنيف أو تسفيه.
بل أحياناً يكون له في الصفة الواحدة قول يسير فيه على منهج أهل التأويل، وفي موضع آخر يوافق فيها السلف -كما في مسألة الرؤية- فتراه -على سبيل المثال- يؤولها، في بعض المواضع، وفي سورة المطففين عند قوله -تعالى-: [كَلاَّ إِنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُوْن] تجده يثبت الرؤية.
ويُلتمس له العذر فيما وقع فيه من تأويلٍ وقع فيه كثير من المفسرين - بأنه نشأ في بيئة علمية أشعرية؛ فهذا بالنسبة لباب الصفات.
أما بقية أبواب العقيدة كإثبات الوحدانية، أو الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر - فهو يسير فيها على طريقة السلف.
وكذلك الحال بالنسبة لباب الإيمان، وحكم مرتكب الكبيرة، ومسألة الشفاعة، ومسائل الحكمة والتعليل، وفي باب الصحابة وغير ذلك من أبواب العقيدة - يسير فيها على وفق منهج السلف.
بل إنه يرد على المخالفين في ذلك؛ فتراه يناقش المعتزلة، والخوارج في مسألة مرتكب الكبيرة، ويُفنِّد رأيهم، وتراه يُخطِّئ الفلاسفة ويرد عليهم في عدد من المسائل كقولهم: بعلم الله بالكليات دون الجزئيات، وقولهم: في صدور المعلول عن العله، أو إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد.
وتراه يُخطِّئ الشيعة والباطنية وغيرهم في كثير من مخالفاتهم العقدية، بل ويخالف الأشاعرة في عدد من المسائل في باب القدر وغيره، فعلى الرغم من أن ابن عاشور قد نشأ في جوٍ يسود فيه المذهب الأشعري إلا أنه لم يكن يتحرج من توجيه النقد لما آل إليه المذهب الأشعري.
كما أنه -رحمه الله- يُنكر البدع الحادثة، والأباطيل والخرافات كالطيرة، وأداء صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة وغيرها مما ورد في التفسير.
¥