[أسباب الاختلاف في تفسير القرآن الكريم:]
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[02 Aug 2006, 05:28 م]ـ
إذا تتبع الباحث الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الإختلاف في تفسير القرآن الكريم قد لا يجدها تخرج عن الأسباب التالية:
1 - مخالفة القرآن الكريم وعدم الإعتصام به، وقد نص على ذلك ابن تيمية مرات عديدة في فتاويه، ومن ذلك قوله: " إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الامة ما حدث من التفرق والاختلاف، صار اهل التفرق والاختلاف شيعا، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم، عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسل وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه، فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الإحتجاج بها".
2 - مخالفة السنة وعدم التمسك بها أفضى إلى كثير من الاختلافات في التفسير خاصة أن بالقرآن ما هو مجمل غير مفصل، وعام غير مخصص، مما يحتاج إلى إيضاح وتفسير من قبل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ " كل من خالف الرسول لا يخرج عن الظن وما تهوى الأنفس، فإن كان ممن يعتقد ما قاله وله فيه حجة يستدل بها، كان غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، كاحتجاجهم بقياس فاسد، أو نقل كاذب، أو خطاب ألقي إليهم اعتقدوا أنه من الله وكان من إلقاء الشيطان".
3 - مخالفة الصحابة والتابعين، وهم الصفوة الذين تلقوا القرآن تلاوة وتفسيرا، وإيمانا وعملا عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل من خالفهم في تفسير آي الذكر الحكيم فقد أخطأ في الدليل والمدلول معا مهما أقام من الحجج على صحة مذهبه، فإن ذلك لا يخلو أن يكون استدلالا فاسدا، أو نقلا كاذبا، أو وحيا من الشيطان: " فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب، ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول معا. ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية".
وهذه الأسباب الثلاثة تبين أن الاختلاف في تفسير القرآن الكريم ليس ناشئا عن النص ذاته، بل هو ناتج عن المنهج المتبع في التفسير، والذي يكون في الأغلب الأعم مغرضا وغير علمي، كما هو الشأن بالنسبة للباطنية والفرق الضالة الذين لا يعتمدون في دينهم على القرآن، ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول الكريم، بل على أصول ابتدعها مشايخهم، وهم اضطروا إلى تأويل القرآن على حسب مذهبهم المنحرف ومعتقدهم الباطل حتى لا يرموا بالزندقة والكفر البواح، وحتى يلبسوا على عامة المسلمين دينهم ويفتنوهم عن هديه وصراطه المستقيم.
وهم إنما يفعلون ذلك خوفا من سلطان المسلمين من جهة، ولأنهم يرون أن ذلك هو السبيل الأقوم لإبعاد المسلمين عن دينهم الحنيف.
وهذا الطريق المعوج، والسبيل الملتوي غالبا ما يسلكه بعض الموثورين من الشعوب الحديثة العهد بالإسلام، والذين لم تتشرب قلوبهم بعد حلاوة الإيمان.
وبتحديد الأسباب المفضية إلى الاختلاف في تفسير القرآن الكريم، يكون أهل السنة قد شخصوا الداء الحقيقي الذي يفتك بالأمة، ومن خلال هذا التشخيص بينوا الدواء الكافي، والبلسم الشافي، ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة، وتتبع أثرهما في كل كبيرة وصغيرة، ففي ذلك لمّ الشعث، واتحاد الأمة، ونفي الفرقة والاختلاف من بينها.
ـ[صالح صواب]ــــــــ[09 Aug 2006, 12:58 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأرى أن الأستاذ أحمد قد اقتصر في ذكر أسباب الاختلاف في التفسير على الاختلاف المذموم، ولم يتحدث عن غيره ..
وأرى أن الاختلاف الممدوح أوسع بكثير من المذموم، ومن هنا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في فهم بعض آيات القرآن الكريم، وتعددت أقوالهم في الآية الواحدة أو اللفظة الواحدة، ولم يكن ثمة سبب من الأسباب التي أشار إليها الكاتب.
ولكن هنا أسباب أخرى، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته، وذكرها الشيخ الدكتور/ مساعد الطيار في كتابه (فصول في أصول التفسير) وغيرهما، مما يسوغ الاختلاف بين العلماء.
وعليه فإن القول (بأن الاختلاف في التفسير ليس ناتجا عن النص ذاته، بل هو ناتج عن المنهج المتبع في التفسير) كما ذكر الكاتب ليس على إطلاقه ..
بل إن من إعجاز القرآن احتمال اللفظ لأكثر من معنى، وإفادة المعنى المتعددة في لفظ واحد، وهذا مما يميز القرآن الكريم
وليس عيبا أن تتعدد الأقوال ما دام الاختلاف سائغا مبينا على أصول وقواعد اللغة العربية، موافقا للكتاب والسنة ... فإذا خرج عن ذلك كان اختلافا مذموما.
¥