[هل أفاد الشيخ عبد القاهر من القاضي عبد الجبار]
ـ[روضة]ــــــــ[16 Sep 2006, 11:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه دراسة لآراء القائلين بأن الشيخ عبد القاهر أفاد من القاضي عبد الجبار في تطوير نظرية النظم، أرجو من الأساتذة أصحاب الاهتمام بهذا الموضوع إبداء آرائهم، وتصويب ما يرونه خطأ، مع الشكر سلفاً لكل من سيتجشم عناء القراءة والنقد.
[ line]
[هل أفاد الشيخ عبد القاهر من القاضي عبد الجبار]
حين حدث القاضي عبد الجبار الهمذاني عن الفصاحة (1)، وضّح مجالاتها، وبيّن أن الكلام يكون فصيحاً بجزالة لفظه وحسن معناه (2)، ثم قال: "واعلم أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضمّ على طريقة مخصوصة، ولا بدّ مع الضمّ أن يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز في هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضمّ، وقد تكون بالإعراب الذي له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع؛ لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة، أو حركاتها، أو موقعها. ولا بدّ من هذا الاعتبار في كل كلمة، ثم لا بدّ من اعتبار مثله في الكلمات، إذا انضم بعضها إلى بعض؛ لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة، وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها، فعلى هذا الوجه الذي ذكرناه إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها.
فإنْ قال: فقد قلتم في أن جملة ما يدخل في الفصاحة حسن المعنى، فهلا اعتبرتموه؟ قيل له: إن المعاني وإنْ كان لا بدّ منها، فلا تظهر فيها المزية وإنْ كان تظهر في الكلام لأجلها؛ ولذلك نجد المعبِّرَين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر والمعنى متفق. . . على أنّا نعلم أن المعاني لا يقع فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يُعتَبَر: التزايد عند الألفاظ التي يُعبّر بها عنها. . . فإذا صحَّت هذه الجملة فالذي تظهر به المزية ليس إلا الإبدال الذي به تختص الكلمات أو التقدّم والتأخر الذي يختص الموقع، أو الحركات التي تختص الإعراب، فبذلك تقع المباينة.
ولا بدّ من الكلامين اللذين أحدهما أفصح من الآخر أن يكون إنما زاد عليه بكل ذلك أو ببعضه، ولا يمتنع في اللفظة الواحدة أن تكون إذا استعملت في معنى تكون أفصح منها إذا استعملت في غيره، وكذلك فيها إذا تغيّرت حركاتها، وكذلك القول في جملة من الكلام" (3).
نسب كثير من الباحثين أصل نظرية النظم إلى القاضي عبد الجبار، ورأوا أن الشيخ عبد القاهر أفاد منه، وبنى على كلامه وطوّره، فمثلاً يقول الأستاذ شوقي ضيف إن عبد الجبار وقف على معنى النظم، فله أصل النظرية، وفضل السَّبق والابتكار يُنسب إليه، وعبد القاهر له فضيلة تفسيرها تفسيراً دقيقاً، بحيث أصبح فعلاً صاحبها الذي صوّرها وطبقها واستخرج على أساسها علم المعاني المعروف بين علوم العربية (4).
ويقول د. محمد أبو موسى ـ بعد أن سرد كلام القاضي عبد الجبار السابق ـ: "وتتكرر في دراسة عبد القاهر كلمة (الضمّ) الواردة هنا، كما تتكرر كذلك كلمة (المزية)، والنظر في الكلمة من حيث إعرابها وموقعها وإبدالها، جزء هام في دراسة عبد القاهر، وقول عبد الجبار: "على أنّا نعلم أن المعاني لا يقع فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يُعتَبر: التزايد عند الألفاظ"، من الكلام المشهور في دلائل الإعجاز" (5).
تبنّى كثير من الباحثين هذه الفكرة، معتمدين عبارتَين وردتا في كلام القاضي عبد الجبار:
العبارة الأولى: "واعلم أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة".
العبارة الثانية: "على أنّا نعلم أن المعاني لا يقع فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يُعتبر: التزايد عند الألفاظ التي يُعَبَّر بها عنها".
ورأى هؤلاء أن كلامَ القاضي الأساسُ النظري الذي استند إليه الشيخ عبد القاهر، وبنى عليه نظرية النظم.
هذا ما عليه أكثر الدارسين للنظرية، غير أنه مخالف لحقيقة الأمر، فالشيخ عبد القاهر لم يرتضِ أقوال القاضي ـ وبخاصة هاتين العبارتين ـ (6)، فكيف يستند إليها؟!
¥