تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تَنْزِيلُ الآياتِ على الوَاقِعِ المُعَاصِرعند الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 Sep 2006, 05:05 م]ـ

القرآنُ الكريمُ نزلَ هدايةً للناسِ كما قال تعالى: {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: من الآية185)، وهو آيةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الباقيةُ، فمن تمسّكَ به هُدِيَ، ومَن حادَ عنهُ ضَلَّ سواءَ الصراطِ، وذلكَ مِن نزولهِ إلى قيامِ الساعةِ، فهو صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان.

وتنْزيلُ آياتهِ وربطها بواقعِ الناسِ وحياتهم ميزةٌ خاصّةٌ لكلِّ مُفسِّرٍ في عصرهِ، ولقد اعتنى الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بهذا الجانبِ، واهتمّ بهِ، يظهر هذا للناظرِ في تفسيرهِ، وسأمثّلُ لذلكَ مِن خلالِ النقاطِ التاليةِ:

أولاً: الردُّ على بعض التعبيراتِ الشائعةِ وبيانِ خطئها

عند تفسيره لقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (البقرة: من الآية213)

ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ مَن يوصف بالتبشيرِ إنّما هم الرُّسُلُ وأتباعهم؛ وأمّا مَا تَسَمَّى بهِ دُعاة النصرانيةِ بكونهم مُبشِّرينَ فهم بذلكَ كاذبونَ؛ إلاَّ أنْ يُرادَ أنهم مُبشِّرُونَ بالعذابِ الأليمِ، كما قالَ تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (آل عمران: من الآية21)؛ وأَحَقُّ وَصْفٍ يُوصَفُ بهِ هؤلاءِ الدعاةُ أنْ يُوصَفُوا بالمضَلِّلِينَ، أو المنَصِّرينَ؛ وما نظيُر ذلكَ إلاَّ نظيرُ مَن اغْتَرَّ بتسميةِ النصارى بالمسيحيينَ؛ لأنّ لازمَ ذلكَ أنّكَ أقْرَرْتَ أنهم يتبعونَ المسيحَ، كما إذا قُلْتَ: " فلانٌ تَمِيمِيٌّ "؛ إذاً هو مِن بني تميم؛ والمسيحُ ابن مَريم يتبرأُ مِن دينهم الذي هم عليهِ الآنَ كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} (المائدة: من الآية116) إلى قولهِ تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (المائدة: من الآية117) الآيتين؛ ولأنّهم رَدُّوا بشارةَ عِيسَى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكَفروا بِهَا؛ فكيفَ تَصِحُّ نِسبَتهم إليهِ؟ والحاصلُ أنّه يَنبغِي للمؤمنِ أنْ يكونَ حَذِرًا يَقِظًا لا يَغْتَرُّ بخداعِ المخادعينَ، فيجعلَ لهم مِن الأسماءِ، والألقابِ ما لا يَستحقُّون ". (1)

مثالٌ آخر: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: من الآية221)

ذكرَ مِن فوائدها:" الردُّ على الذينَ قالوا: " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ "؛ لأنّ التفضيلَ يُنَافِي المساواةَ؛ والعجيبُ أنّه لم يأتِ في الكتابِ، ولا في السُّنَّةِ لفْظةُ "المساواة " مُثبتاً؛ ولا أنّ الله أمَرَ بها؛ ولا رَغَّبَ فيها؛ لأنّكَ إذا قُلْتَ بالمساواةِ استوى الفاسقُ، والعَدْلُ؛ والكافرُ، والمؤمنُ؛ والذكرُ، والأنثى؛ وهذا هو الذي يريدهُ أعداءُ الإسلامِ مِن المسلمينَ؛ لكن جاءَ دينُ الإسلامِ بكلمةٍ هي خيرٌ مِن كلمةِ " المساواة "؛ وليسَ فيها احتمالٌ أبداً، وهي " العَدْل كما قالَ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (النحل: من الآية90)؛ وكلمةُ " العَدْلِ " تعني أنْ يُسَوَّى بينَ المتماثلينِ، ويُفَرَّقَ بينَ المفترقينِ؛ لأنّ "العَدْلَ " إعطاءُ كُلِّ شيءٍ ما يستحقهُ؛ والحاصلُ: أنّ كلمةَ " المساواة " أَدْخَلَهَا أعداءُ الإسلامِ على المسلمينَ؛ وأكثرُ المسلمينَ - ولا سِيَّمَا ذَوُو الثقافةِ العامّةِ - ليسَ عندهم تحقيقٌ، ولا تدقيقٌ في الأمورِ، ولا تَمْييزٌ بينَ العباراتِ؛ ولهذا تَجِدُ الواحدَ يَظُنُّ هذهِ الكلمةَ كلمةُ نُور تُحمَل على الرؤوسِ: " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ "! ونقولُ: لو قُلتم: " الإسلامُ دِينُ العَدْلِ " لكانَ أَوْلَى، وأشدُّ مطابقةً لواقعِ الإسلام ". (2)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير