تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التفسير الصوفي أو المنهج الرمزي والإشاري:]

ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[17 Aug 2006, 04:03 ص]ـ

فرق أهل السنة والجماعة بين نوعين من التصوف هما (1):

1 - التصوف العلمي

وهو الذي ترتبط أصوله بالكتاب والسنة، وتعتبر حياة الرسول-صلى الله عليه وسلم- هي مصدره ومعينه الذي يغترف منه، وقوامه الزهد والتقشف والتفاني في طاعة الله تعالى، أي أنه فكر وسلوك واتباع، لا فلسفة وابتداع. فهو إذن تصوف إسلامي خالص، خال من كل بدعة، نحو بدعة التفلسف والإتحاد والحلول، ووحدة الوجود، وفكرة المقامات اليونانية الأصل، والتفريق بين الحقيقة والشريعة، ومن ثم تلقته الأمة بالقبول. وفي ذلك يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "وفيهم جماعات لهم عبادة وزهد وصدق فيما هم فيه، وهم يحسبون أنه حق. وعامتهم الذين يقرون ظاهرا وباطنا بأن محمدا رسول الله، وأنه أفضل الخلق، أفضل من جميع الأنبياء والأولياء، لا يفهمون حقيقة قولهم، بل يحسبون أنه تحقيق ما جاء به الرسول، وأنه من جنس كلام أهل المعرفة الذين يتكلمون في حقائق الإيمان والدين، وهم من خواص أولياء الله. فيحسبون هؤلاء من جنس أولئك، من جنس الفضيل بن عياض (1)، وإبراهيم بن أدهم (2)، وأبي سليمان الداراني (3)، والسري السقطي (4)، والجنيد بن محمد (5)، وسهل ابن عبد الله (6)، وأمثال هؤلاء" (7).

فهؤلاء الأعلام لم يكونوا يفرقون بين الحقيقة والشريعة -كما هو الشأن بالنسبة لمتأخري الصوفية- بل كانت طريقتهم محكومة بالكتاب والسنة، ولم يعبدوا الله بالوجد والذوق والمكاشفة، بل بالإقتداء والإتباع. ومن يراجع أقوالهم وأحوالهم يجدهم متبعين وغير مبتدعين، وقد ورد شيء من ذلك في كتاب "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " لأبي نعيم (ت 430هـ). ونحن ننقل منه كمثال على ما قلناه ما أورده في ترجمته للعابد الزاهد الجنيد بن محمد الجنيد (ت297هـ): "كان كلامه بالنصوص مربوطا، وبيانه بالأدلة مبسوطا، فاق أشكاله بالبيان الشافي، واعتناقه للمنهج الكافي، ولزومه للعمل الوافي ... سمعنا أبا القاسم الجنيد بن محمد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه، لا يقتدي به. وكان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث" (1).

2 - التصوف النظري

وهو نقيض التصوف العملي، حيث يقوم على الدراسة والبحث، أي أنه معرفة أو بالأحرى نظرية في المعرفة، ذات أصول فكرية يونانية وهندية ومسيحية، وفارسية (2). وقد تتبع ابن تيمية أقوال معتنقيه، وبين حقيقة مذهبهم، والمآخذ التي يمكن أن تؤخذ على هذا التصوف المجافي لروح الإسلام. ويمكننا أن نجملها في النقط التالية:

أ- عبادة الله بالذوق والوجد والرأي واتباع الهوى: "هؤلاء العباد الزهاد الذين عبدوا الله بآرائهم وذوقهم ووجدهم، لا بالأمر والنهي، منتهاهم اتباع أهوائهم {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} (3) لا سيما

إذا كانت حقيقتهم هي قول "الجهمية المجبرة". فرأوا أن جميع الكائنات اشتركت في المشيئة ولم يميزوا بعضها عن بعض، بأن الله يحب هذا ويرضاه، وهذا يبغضه ويسخطه. فإن الله يحب المعروف ويبغض المنطر، فإذا لم يفرقوا بين هذا وهذا نكت في قلوبهم نكت سود فسود قلوبهم، فيكون المعروف ما يهوونه، ويجدونه ويذوقونه، ويكون المنكر ما يهوون بغضه وتنفر عنه قلوبهم، كالمشركين الذين كانوا {عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} (1). ولهذا يوجد في هؤلاء (2) وأتباعهم من ينفرون عن القرآن والشرع، كما تنفر من الرماة ومن الأسد، ولهذا يوصفون بأنهم إذا قيل لهم قال المصطفى نفروا " (3).

ب- تفضيل الأولياء على الأنبياء والرسل (4)، وجعل خاتم الأولياء خيرا من خاتم الأنبياء والرسل: "يقول ابن عربي (5) ونحوه: إن

الأولياء افضل من الانبياء، وإن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وإن جميع الأنبياء يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء، وإنه ياخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يأتي خاتم الأنبياء " (1).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير