تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قول الله عز وجل أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم وقال فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له حتى يقال تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح قال الكيا وهذا فيه نظر إذ معناه وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا فيجوز التوبيخ على هذا المعنى وفي قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) مع قوله فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتي اختصاصا وأنه مقصور على موضع الولد قلت هذا هو الحق في المسألة وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التى لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوى أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد والصحيح في هذه المسألة ما بيناه وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث لقوله تعالى فأتوا حرثكم ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح وهذا هو الحق وقد قال أصحاب أبى حنيفة إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض فكان أشنع وأما صمام البول فغير صمام الرحم وقال بن العربي في قبسه قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين وأخرج يده عاقدا بها وقال مسلك البول ما تحت الثلاثين ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال كذبوا علي كذبوا علي كذبوا علي ثم قال ألستم قوما عربا ألم يقل الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الإدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داؤد والنسائي والترمذي وغيرهم وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ولشيخنا أبى العباس أيضاً في ذلك جزء سماه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار قلت وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الأخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه وقد حذرنا من زلة العالم وقد روي عن بن عمر خلاف هذا وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضى الله عنه وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك كما ذكر النسائي وقد تقدم وأنكر ذلك مالك واستعظمه وكذب من نسب ذلك إليه وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبى الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض بهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ومثله عن على بن طلق وأسند عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى أبو داؤد الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها وروى عن طاوس أنه قال كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن قال بن المنذر وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه.

تفسير القرطبي ج3/ص91 - 96.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير