قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [75] ... المراد المقارنة بالفعل، وهي الصلاة جماعة؛ لأن الأمر بالصلاة قد تقدم، فلا بد من فائدة أُخرى. وتخصيص الركوع؛ لأن بإدراكه تدرك الصلاة، فمن أدرك الركعة أدرك السجدة [76].
[قوله تعالى]: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [77] والأماني: التلاوة المجردة [78] أي: إلاَّ تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به، واشتبه عليه بعضه، فوكل علمه إلى الله، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" [79] فامتثل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم [80].
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [81] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس [82]
سميت إيماناً مجازاً [83]؛ لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان؛ إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمناً؛ ولهذا يُحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا [84].
... عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [85] فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت بئسما قلت ياابن أختي، إن هذه الآية لو كانت على ما أوّلتها كانت: لا جناح عليه ألا يطوّف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يُهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أنطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية [86] ...
[قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [87]] ... لمَّا قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال بعده: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني: هب أن إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [88] وقد اعترض صاحب المنتخب [89] على النحويين في تقدير الخبر في {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فقالوا: تقديره لا إله في الوجود إلا الله. فقال: يكون ذلك نفياً لوجود الإله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصِّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره، والإعراض عن هذا الإضمار أولى [90].
وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي [91] في (ري الظمآن) فقال:
هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإن (إله) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم (لا) وعلى التقديرين، فلابد من خبر للمبتدأ، وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد.
وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية، فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية، ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة [92] فإنهم يثبتون ماهية عارية من الوجود. و (إلا الله) مرفوع، بدلاً من (لا إله) لا يكون خبراً ل (لا)، ولا للمبتدأ، وذكر الدليل على ذلك [93].
وليس المراد هنا ذكر الإعراب، بل المراد دفع الإشكال الوارد على النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة، وهو فاسد؛ فإن قولهم: (في الوجود) ليس تقييداً؛ لأن العدم ليس بشيء؛ قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [94].
ولا يقال: ليس قوله: (غيره) كقوله: (إلا الله)؛ لأن (غيراً) تعرب بإعراب الاسم الواقع بعد (إلا) فيكون التقدير للخبر فيهما واحداً؛ فلهذا ذكرتُ هذا الإشكال وجوابه هنا [95].
ذُكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الآية {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [96] الآيات [97].
¥