تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا كان قد استقرّ بالكوفة، ثم إنه يَكْبُرُ عَمرو بن دينار في السنّ، فمعنى ذلك أنه خرج من مكّة في صغر عَمرو بن دينار.

ثم إن أبا صالح كان معلّمَ كُتّاب، فهو لم يقصد من إخباره عن نفسه تعليمَه أهلَ مكّة: أنه كان إمامًا في القراءة أو علوم القرآن (كالتفسير) في زمنه بمكّة، ولَفْظُ أبي صالح يشهد لهذا المعنى.

فأن يَخْفَى ذِكْرُ أبي صالح (مُعَلّم الكُتّاب) على عَمرو بن دينار المكي ليس بالأمرالمستغرب، ولا في ذلك دليلٌ على كذب أبي صالح!!

[ line]

أمّا عبارات التضعيف الخفيف، سوى ما سبق:

فقال علي بن المديني: «ليس بذاك، ضعيف». (سؤالات محمد بن عثمان رقم 118)، وقال الإمام مسلم -كما سبق-: «قد اتّقى الناس حديثَه». (فتح الباري لابن رجب 3/ 201). وذكره أبو زرعة في الضعفاء (2/ 604 رقم 42). وقال الدارقطني: «ضعيف». (السنن 5/ 472 رقم 4692)، وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم». (التهذيب 1/ 417).

وأمّا الأزدي فقال: «كذاب»، والجورقاني فقال: «متروك». (التهذيب 1/ 417)، وكلاهما لا يُقبل منهما ذلك، أمّا الأول فلأنه هو متكلَّم فيه، وأمّا الثاني، فلأنه معارضٌ بمن هم أجل منه وأعرف وأولى بعلم ذلك.

ومن هنا أبدأ بذكر من قَبِلَ حديث أبي صالح، وجعله في دائرة المحتجّ بهم، ولو كان في آخر مراتب القبول.

وأبدأ بقرين عبدالرحمن بن مهدي، والمشهور بالتشدّد أكثر من ابن مهدي، ألا وهو يحيى بن سعيد القطان، فهو أحد أشهر وأجل وأشدّ من لا يروي إلا عن ثقة، وقد روى لأبي صالح، كما في عبارات الإمام أحمد السابقة.

ولم يكتف القطان بذلك حتى كان يقول: «لم أرَ أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أمّ هانئ، وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة، ولا زائدة، ولا عبدالله بن عثمان». (الجرح والتعديل 2/ 432، وضعفاء العقيلي 1/ 166).

قلت: فهؤلاء: شعبة، وزائدة بن قدامة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومنصور بن المعتمر، ويحيى القطان يروون عن أبي صالح أو يروون له، وكلّهم ممن لا يروى إلا عن ثقة، كما سبق في حديثنا عن إسماعيل والقطان، وكما هو مشهور عن شعبة، ومعلومٌ في زائدة بن قدامة ومنصور بن المعتمر. (انظر: زوائد رجال صحيح ابن حبان ليحيى الشهري 1/ 174، 176 - 177، 184). أما عبدالله بن عثمان، فأحسبه عبدالله بن عثمان بن معاوية البصري، صاحب شعبة وشريكه، أحد أجلّ الثقات وأتقنهم (تهذيب التهذيب 5/ 317 - 318)، ويصحّ الاستشهاد بذكره في هذا السياق أنه أحد من لا يروي إلا عن ثقة، فإذا انضَمَّت إلى ذلك صلته القويّة بشعبة، قَوِيَ هذا الاستشهاد.

وبذلك يصحّ إدراج هؤلاء الستة ضمن الذين حكموا لأبي صالح بالقبول، وفيهم أعرف الناس به، كتلميذيه إسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المعتمر، وأعرف الناس بالرجال وأشدّهم في التعديل كشعبة والقطان.

وأمّا يحيى بن معين فاختلف قوله فيه، فمرّةً أطلق القول فيه بالضعف، فنقل

عنه ابن أبي خيثمة (رقم 2450، وهي رواية ابن حبان في المجروحين 1/ 185)، أنه قال: «ضعيف الحديث».

ومَرّةً فَصّل القول فيه، فقال: «الكلبي إذا روى عن أبي صالح فليس بشيء؛ لأن الكلبي يحدث به مَرّةً من رأيه، ومَرّةً عن أبي صالح، ومَرّةً عن أبي صالح عن ابن عباس. فإذا حدّث غير الكلبي عن أبي صالح فليس به بأس». (تاريخ ابن أبي خيثمة رقم 3765).

وأولى قولَيْ ابن معين بالترجيح قولُه المفصّل على قوله المجمل؛ لفضل البيان على الإجمال، ولاحتمال الإجمال تفسيره بالبيان، خاصّةً أنّ «ضعيف» تحتمل أن تكون بمعنى «لا بأس به»، كما سبق.

أضف إلى ذلك: أن ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 432) قد اقتصر من قولي ابن معين على قوله المفصّل، من رواية ابن أبي خيثمة عن ابن معين، ولفظه أوضح في المراد، حيث نقل عن كتاب ابن أبي خيثمة إليه أنه قال: «سمعت يحيى بن معين يقول: أبو صالح مولى أمّ هانئ ليس به بأس، فإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء، وإذا روى عنه غير الكلبي فليس به بأس». وأسنده بهذا اللفظ أيضًا ابن عبدالبرّ في الاستغنا في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى (2/ 766 - 767 رقم 892)، من غير طريق ابن أبي حاتم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير