وكان تمام هذا التفسير عصر يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رجب عام ثمانين وثلاثمائة وألف, فكانت مدة تأليفه تسعاً وثلاثين سنة وستة أشهر, وهي حقبة لم تَخْلُ من أشغال صارفة, ومؤلفات أخرى أفنانها وارفة, ومنازع بقريحةٍ شاربةٍ طوراً, وطوراً غارفة, وما خلال ذلك من تشتت بال, وتطور أحوال, مما لم تَخْلُ عن الشكاية منه الأجيال, ولا كُفران لله فإن نعمه أوفى, ومكاييل فضله عَلَيَّ لا تُطَفَّفُ ولا تُكْفا.
وأرجو منه - تعالى - لهذا التفسير أن يُنجد ويغور, وأن ينفع به الخاصة والجمهور, ويجعلني به من الذين يرجون تجارةً لن تبور.
وكان تمامه بمنزلي ببلد المرسى شرقيّ مدينة تونس, وكَتَبَ محمد الطاهر ابن عاشور".
وقد طبع هذا التفسير في دار سحنون للنشر والتوزيع بتونس.
وقد جاء في ثلاثين جزءاً، في خمسة عشر مجلداً، وعدد صفحات التفسير كلها أحد عشر ألف ومائة وسبع وتسعون صفحة (11197 صفحة).
ثالثاً: منهجه في كتابة التفسير: لقد بين الشيخ ابن عاشور في مقدمته الرائعة منهجه في كتابة هذا التفسير، وسيأتي بيان ذلك عند إيراد مقدمته كاملة، ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
1 - بدأ تفسير ه بمقدمات عشر؛ لتكون - كما يقول - عوناً للباحث في التفسير، وتغنيه عن مُعاد كثير.
2 - اهتم ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية، وأساليب الاستعمال.
3 - اهتم ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض.
4 - لم يغادر سورة إلا وبين أغراضها، وما تشتمل عليها بإجمال.
5 - اهتم بتحليل الألفاظ، وتبيين معاني المفردات بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميسُ اللغة.
6 - عُنِيَ باستنباط الفوائد، وربطها بحياة المسلمين.
7 - حَرِصَ على استلهام العبر من القرآن؛ لتكون سبباً في النهوض بالأمة.
هذا مجمل منهجه، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الفقرة التالية عند الحديث عن مزايا هذا التفسير العظيم.
رابعاً: مجمل ما اشتمل عليه التفسير من المزايا: لقد اشتمل تفسير التحرير والتنوير على مزايا عظيمة، وحوى علوماً كثيرة، وتضمن فوائد غزيرة.
وقد مر في الترجمة الماضية شيء مما اتصف به ذلك العالم النحرير، ولعل ما مضى يغني عن الإطالة، والتفصيل.
وممل يمكن أن يقال في هذا الصدد أن الشيخ ابن عاشور قد استجمع في هذا الكتاب قواه الذهنية والعلمية، فتجلت فيه مواهبه، وتبين فيه علو كعبه، ومنهجه التربوي، ونظراته الإصلاحية.
ويمكن إجمال ما اشتمل عليه ذلك التفسير من مزايا فيما يلي:
1 - العدل، والإنصاف، والأمانة العلمية.
2 - الموازنة، والترجيح، وهدوء النبرة، وطول النفس.
3 - سعة الاطلاع، وتوظيف الثقافة والمعارف لخدمة الغرض الذي يرمي إليه.
4 - الإفادة مما شاده الأوائل، والزيادة على ذلك.
5 - اشتماله على الفوائد التربوية، والنظرات الإصلاحية التي تحتاجها الأمة خصوصاً وأنه قد كتب تفسيره في وقت اشتدت بها الوطأة على الأمة إبان وقت الاستعمار، وسقوط الخلافة.
6 - احتوى على نظرت في الطب، وحفظ الصحة.
7 - الكتاب مليء بالقواعد الأصولية والمسائل النحوية، والنكت البلاغية.
8 - الكتاب مشتمل على نظرات في الأدب والنقد.
9 - الكتاب مليء بالشواهد الشعرية، والتاريخية.
10 - أسلوب الكتاب جزل قوي، شديد الأسر، محكم النسج.
وسيرى القارئ لهذا التفسير شواهد ما ذكر، والمقام لا يسمح بالإطالة، وإيراد الأمثلة؛ فليس هذا مقام دراسة، وتقويم للكتاب.
ومع ذلك فإن الكمال لله - عز وجل -.
فقد وقع المؤلف -رحمه الله- فيما وقع فيه كثير من المفسرين، وذلك بتأويل آيات الصفات، والعدول بها عن منهج السلف الصالح من إمرارها كما جاءت.
ويعتذر للمؤلف ببيئته العلمية التي نشأ فيها؛ حيث ينتشر فيها مذهب الأشاعرة.
ومع ذلك فإنه يناقش الأشاعرة في هذا التفسير، ويقترب أحياناً من منهج السلف في باب الصفات.
وأخيراً أسأل الله - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر للشيخ ابن عاشور، وأن يسكنه فسيح جناته؛ إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي: ص. ب: 460
www.toislam.net
[email protected]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[23 Jul 2006, 06:30 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وفقك الله أيها الشيخ الكريم، وأعانك على هذا المشروع العظيم.
ثم إني أقترح أن يكون لك أثناء انتقائك للفوائد واستخراجك للكنوز والتقاطك للدرر من هذا البحر الكبير أن تقوم بمشروع آخر لا يقل أهمية من وجهة نظري عن مشروعك؛ وهو تقريب هذا التفسير لعموم المسلمين باختصاره وتهذيبه.
والمقصود من هذا الاختصار هو الاقتصار على التفسير، وترك الاستطرادات اللغوية وغيرها من المسائل التي يتوسع فيها ابن عاشور في مواضع كثيرة.
ولو أضفت إلى ذلك مشروعاً ثالثاً، وهو جمع استنباطات ابن عاشور للفوائد من الآيات؛ فله نظرات فريدة واستباطات لطيفة تستحق الجمع والدراسة.
وفقك الله، وبلغك ما تصبو إليه، وأعانك على تحقيق ما ترجو، ورزقني وإياك الإخلاص في القول والعمل.
¥