ويشير الزركشي إلى السبب العلمي والمنهجي في التفريق بين التفسير والتأويل وجعل كل منهما ذا دلالة محددة وواضحة، ومتميزة ومخالفة لدلالة الآخر، وذلك حيث يقول: " والحق أن علم التفسير منه ما يتوقف على النقل كسبب النزول والنسخ وتعيين المبهم، وتبيين المجمل، ومنه ما لا يتوقف ويكفي في تحصيله التفقه على الوجه المعتبر، وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل، التمييز بين المنقول والمستنبط، ليحمل على الإعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط، تجويزا له وازديادا، وهذا من الفروع في الدين.
ويفهم من هذا الكلام ومن الذي قبله أن التفسير يتعلق بالرواية، وأما التأويل فمرتبط بالدراية وإعمال النظر، ولكل منهما شروط صحة وقبول.
وخلاصة القول أنه يتعين علينا التفريق بين جيلين من المفسرين، فالاول منهما كان يستعمل اللفظين بمعنى واحد، وعلى أساس أنهما مترادفان، أما الجيل الثاني منهما فقد فرق بينهما، فعين التفسير للمنقول، والتأويل للمعقول ولهذا دلالة واضحة على طبيعة التفسير ذاته. ذلك أن السلف الصالح كانوا يعتمدون في تفسيرهم النقل والعقل معا دون التفريق بينهما، وكان شعارهم في ذلك أن صريح المعقول يوافق صحيح المنقول، وهذا الاتجاه واضح في تفسير الإمام الطبري، والإمام ابن تيمية وابن كثير وغيرهم من مفسري أهل السنة.
أما الخلف فقد أصبحت تفاسيرهم للذكر الحكيم ـ في الأعم والأغلب ـ تشكل ثنائية ضدية حادة. فهناك تفاسير بنيتها الأساسية النقل، وأخرى تعتمد أساسا العقل، فكان تفريقهم بين اصطلاحي التفسير والتأويل تقريرا لواقع التفسير وطبيعته في عصرهم.
وعلماء التفسير غالبا يقسمونه إلى منهجين أساسين هما:
1 - التفسير بالمأثور.
2 - التفسير بالمعقول أو الرأي.
ويرجعون إليهما كل ضروب وأنواع التفاسير التي ألفها العلماء، إلا أن هذا التقسيم يتسم بالخطورة والخلط. فخطورته تتجلى في مساهمته في إحداث انشطار شخصية وعقلية الإنسان المسلم إلى ثنائية ضدية حادة وصارمة: العقل والنقل. وكأن الأمرين لا يمكن الجمع بينهما، في حين يثبت واقع ديننا الإسلامي الحنيف أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح، وهذا المبدأ المنهجي العظيم يخلصنا من الوقوع في مطب الإنشطار الذي جنى على أمتنا ولا زال. ويمكننا من تجاوز ثنائية العقل والنقل إلى حلول وإمكانات أخرى متاحة.
أما الخلط فيتبين لنا في تجاهل أنواع التفسير الأخرى والتي لها مميزاتها وصفاتها التي تجعلها متميزة عن التفسير المأثور أو المعقول، كالتفسير الإشاري أو الصوفي، والتفسير الموضوعي، والتفسير الأدبي/الإجتماعي، والتفسير العلمي وغيرها من أنواع التفسير الكثيرة التي يعبر تجاهلها عن خلط في تصور طبيعة المناهج التفسيرية.
ونشير هنا إلى أن الغالبية العظمى من تفاسير القرآن الكريم لا يمكن تصنيفها ضمن اتجاه أو منهج معين إلا بالتغليب والترجيح، وذلك أننا نجدها تستفيد من كل المناهج والمعارف والعلوم المتاحة، مما يجعلها تسمو وترتفع فوق التصنيف المقرر لتعبر عن شمولية الدين الإسلامي الحنيف، ولتبرهن عن تآزر النقل والعقل من أجل إبراز الحقيقة وتجليتها.
وقد تنبه أهل السنة عند كتابتهم عن مناهج واتجاهات التفسير إلى أن اتجاهات التفسير ثلاث وهي:
1 - التفسير النقلي.
2 - التفسير العقلي.
3 - التفسير الصوفي.
وهذا يتمشى وينطبق مع مبدئهم الأساسي، ألا وهو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، فتجاوزوا بذلك الوقوع في مطلب ثنائية الرواية والدراية، أو العقل والنقل.
والمناهج التفسيرية ـ حسب ما يتضح لنا من استعراض المراحل التاريخية للتفسير ـ تختلف باختلاف ما يستعين به المفسر من أدوات علمية مساعدة، وهي التي يسميها العلماء بعلوم الآلة. كما أنها تختلف باختلاف مصادر التفسير، وباختلاف الاتجاه الفكري والسياسي، واختلاف الواقع المعيشي لمفسر الذكر الحكيم، وهذا هو ما سنحاول الكشف عنه عند تحليلنا لأهم تفاسير الذكر الحكيم الحديثة.