تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى هذا المعنى الذي أورده الإمام الطبري حملوا الاحاديث الواردة في النهي عن التفسير القرآني الكريم، يقول الزركشي في " البرهان ": " ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} وقوله: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}. وقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم}. فأضاف البيان إليهم، وعليه حملوا قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار). رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ). أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال غريب من حديث ابن جندب.

وقال البيهقي في "شعب الإيمان" هذا إن صح، فإنما أراد ـ والله أعلم ـ الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.

وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق: " أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي".

وهذا الأمر نفسه دفع القرطبي (ت671هـ) في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن" والإمام ابن عطية (ت 546هـ) في تفسيره "الجامع المحرر الوجيز" إلى مناقشة الحديث الذي روته السيدة عائشة والذي بينت فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفسر من القرآن إلا بضع آيات وبوحي من الله عز وجل، يقول ابن عطية: " روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفسر من كتاب الله إلا آيات بعدد علمه إياهن جبريل).

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: " ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السموات والأرض".

ولا يفهم من كلام هؤلاء العلماء أن في القرآن ما لا يفهم معناه، بحيث يكون بالنسبة لذي العلم باللسان العربي، بمثابة الكلام الأعجمي الذي لا يفقه منه شيئا، بل يستفاد من أقوالهم أن هناك أمورا أخبر بها القرآن، كصفات الله وأسمائه مثلا. فهذه فعلا يستحيل على الإنسان فهمها على ما هي عليه في واقع أمرها. وبتعبير آخر لا يدرك الإنسان حقيقتها الخارجية، ولكنه يدرك حقيقتها العلمية بحيث يفهم من كل صفة غير ما يفهمه من الصفات الاخرى. وفي ذلك يقول ابن تيمية ـ مبطلا قول من جعل أسماء وصفات الله سبحانه من المتشابه الذي لا يفهم معناه ـ: " أما الدليل على بطلان ذلك فإني لا أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا أحاديث الصفات تمر كما جاءت، وينهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه".

وانطلاقا من هذه النقطة بدأ ابن تيمية يبين الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها. وذلك عبر مرحلتين:

المرحلة الأولى:

ناقش فيها من يدعون أن القرآن يتضمن ما لا يفهم معناه، ومن ثم يتعين عدم الخوض فيه، وذلك حيث يقول: " قال: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله). أي كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله. وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله: فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام، وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به، وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به، فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن، ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير