وكذلك الحال بالنسبة للدروز القائلين بألوهية (الحاكم بأمر الله) فهم يعتقدون أن له حقيقةً لاهوتية لا تدرك بالحواس ولا بالأوهام، ولا تعرف بالرأي ولا بالقياس مهما حاول الإنسان أن يعرف كنهها؛ لأن هذا اللاهوت ليس له مكان، ولكن لا يخلو منه مكان، وليس بظاهر كما أنه ليس بباطن حتى إنه لا يوجد اسم من الأسماء، ولا صفة من الصفات يطلق عليه!!
ويرون أن الناسوت لا ينفصل عن اللاهوت؛ وذلك أن الحجاب هو المحجوب، والمحجوب هو الحجاب؛ فالناسوت في اللاهوت مثل الخط من المعنى (6).
وقل مثل ذلك في اعتقاد بعض طوائف الصوفية أن الله - عز وجل - قد حل في بعض مشايخهم.
سادساً: أقسام الاتحاد: الاتحاد أو وحدة الوجود - كما مر - ينقسم إلى قسمين:
1 - الاتحاد العام: وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله - عز وجل -.
بمعنى أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها.
وهذا هو معنى وحدة الوجود، والقائلون به يسمون الاتحادية، أو أهل وحدة الوجود كابن الفارض، وابن عربي، وغيرهما.
يقول الشيخ عبدالرحمن الوكيل -رحمه الله- عن ابن الفارض: "يؤمن هذا الصوفي ببدعة الاتحاد، أو الوحدة سمها بما شئت، بصيرورة العبد رباً، والمخلوق خلاقاً، والعدم الذاتي الصرف وجوداً واجباً.
وإذا شئت الحق في صريح من القول، فقل: هو مؤمن ببدعة الوحدة، تلك الأسطورة التي يؤمن كَهَنَتُها بأن الرب الصوفي تعين بذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله في صورة مادية، أو ذهنية، فكان حيواناً وجماداً وإنساً وجناً وأصناماً وأوثاناً.
وكان وهماً وظناً وخيالاً، وكانت صفاته وأسماؤه وأفعاله عينَ ما لتلك الأشياء من صفات وأسماء وأفعال؛ لأنها هي هو في ماهيته ووجوده المطلق، أو المقيد، وكل ما يقترفه البُغاة من خطايا، وما تنهش الضاريات من لحوم، أو تَعْرَق من عظام فهو فعل الرب الصوفي، وخطيئته وجرمه" (7).
ثم تناول -رحمه الله- قصيدة ابن الفارض التائية المليئة بما يقرر وحدة الوجود بشيء من الشرح والتحليل.
ومن ذلك قول ابن الفارض مقرراً عقيدة وحدة الوجود:
جَلَتْ في تجليها الوجودَ لناظري = ففي كل مرئيٍّ أراها برؤيةفهو يزعم أن الذات الإلهية هتكت عنه حجب الغَيْريَّة، وجلت له الحق المغيب، فرأى حقيقة الله متعينة بذاتها في كل مظاهر الوجود.
ويقول:
فوصفي إذا لم تدع باثنين وصفُها = وهيئتها - إذ واحدٌ نحن - هيئتي يزعم أن كل ما وصف به الله نفسه فالموصوف به على الحقيقة هو ابن الفارض؛ لأنه الوجود الإلهي الحق في أزليته، وأبديته، وديموميته، وسرمديته.
ويقول:
فإن دُعيَتْ كنتُ المجيبَ وإن أكن = منادى أجابت من دعاني ولبتِويقول - وبئس ما يقول -:
وكلُّ الجهات الستِّ نحوي توجهت = بما تمَّ من نسك وحجٍ وعمرةِ
لها صلواتي بالمقام أقيمها = وأشهد فيها أنها ليَ صلتِ
إلى أن يقول - قبحه الله -:
ففي النشأة الأولى تراءت لآدم = بمظهر حوَّا قبل حكم البنوةٍ
وتظهر للعشاق في كل مظهرٍ = من اللبسْ في أشكال حُسْنٍ بديعةِ
ففي مرة (لبنى) وأخرى (بثينة) = وآونة تُدعى (بعَزَّة) عَزَّتِ
يزعم أن ربه ظهر لآدم في صورة حواء، ولقيس في صورة لبنى، ولجميل في صورة بثينة، ولكثيِّر في صورة عزَّة.
فما حواء أم البشر إلا الحقيقة الإلهية، وما أولئك العشاق سَكِرت على شفافههن خطايا القبل المحرمة، وتهاوت بُنْيَةُ اللهفة الجسدية الثائرة تحت شهوات العشاق، ما أولئك جميعاً سوى رب الصوفية تجسد في صور غَوَانٍ تطيش بهُدَاهُنَّ نزوةٌ وَلْهَى، أو نشوةٌ سكرى، أو رغبة تتلظى في عين عاشق!! (8).
ومن أهل وحدة الوجود ابن عربي، ومن أقواله في ذلك:
العبد ربٌّ والرب عبدٌ = يا ليت شعريْ مَن المكلف
إن قلت: عبدٌ فذاك ربٌّ = أو قلت: ربٌّ أنَّى يكلف (9) وقوله: "سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها" (10).
وقوله: "إن العارف من يرى الحق - الله - في كل شيء، بل يراه عين كل شيء" ([11]).
2 - الاتحاد الخاص: هو اعتقاد أن الله - عز وجل - اتحد ببعض المخلوقات دون بعض.
فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة، فقالوا إنه اتحد بالأنبياء، أو الصالحين، أو الفلاسفة، أو غيرهم.
فصاروا هم عين وجود الله - جل وعلا -.
كقول بعض فرق النصارى: إن اللاهوت اتحد بالناسوت، فصارا شيئاً واحداً.
وهذا بخلاف القائلين بالحلول فهم يرون أن له طبيعتين لاهوتيةً وناسوتيةً.
فالاتحادية قالوا بواحد، والحلولية قالوا باثنين.
ولا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد أعظم الكفر والإلحاد عياذاً بالله.
ولكن الاتحاد أشد من الحلول؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة، بخلاف الحلول -كما مر-.
ثم إن القول بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته.
وبالجملة فإن اعتقاد الحلول والاتحاد اعتقاد ظاهر البطلان، وقد جاء الإسلام بمحوه من عقول الناس؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب، وفلسفات ووثنيات هندية، ويونانية، ويهودية ونصرانية، وغيرها تقوم على الدجل، والخرافة.
ــــــــــــــــــــ
[1]- انظر الكليات للكفوي ص389.
[2]- التعريفات ص92.
[3]- التعريفات ص9.
[4]- انظر شرح الشيخ صالح آل الشيخ للحموية (مصور).
[5]- انظر الحركات الباطنية د. محمد أحمد الخطيب ص356، والنصيرية ص119.
[6]- انظر الحركات الباطنية ص223 - 238.
[7]- هذه هي الصوفية ص24 - 25.
[8]- انظر هذه هي الصوفية ص24 - 25.
[9]- الفتوحات المكية 1/ 2.
[10]- الفتوحات المكية 2/ 604، وانظر هذه هي الصوفية ص35.
[11]- نصوص الحكم ص374، وانظر هذه هي الصوفية ص35.
¥