تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) والذين آمنوا مشفقون منها (أي الساعة)، ومن هنا كان الإشفاق عناية مشوبة بخوف، وقد يغلب جانب هذا أو ذاك، أعني العناية أو الخوف حسب ما يقتضيه السياق، (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) يغلب فيه جانب العناية، (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) يغلب فيه جانب الخوف.

وما أجمل ما قاله ابن فارس من أن الشين والفاء والقاف أصل واحد يدل على رقة في الشيء، ثم يشتق منه، فمن ذلك قولهم: أشفقت من الأمر إذا رفقت وحاذرت.

ومن ذلك كلمة (وجل)، فهذه الكلمة التي تفسر بالخوف، كذلك نجدها في كتاب الله تعالى تستعمل في سياق أخص من الخوف، فالوجل هو استشعار الخوف، وهو حالة نفسية تعرض للنفس عند بداية شيء ما، وحينما نمعن النظر فيما يشبه هذه المادة، بخاصة في حرفيها الأولين ندرك دقة المعنى للكلمة من جهة، وما بين الكلمات العربية من وشائج القربى، وذلك مثل كلمات (وجس)، وهي الإحساس بالشيء، و (وجد) و (وجف)، فالوجل أحد مقدمات الخوف، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).

والقرآن الكريم وهو يأسرنا بروعة بيانه (وإن من البيان لسحراً)، وهو يحدثنا عن قصة إبراهيم عليه اسلام يذكر الوجل تارة والخوف تارة أخرى.

وإجالة للفكر بعض الشيء، نجد أن كلاً من الكلمتين استعملت في مكانها اللائق بها الذي لا يصلح فيه غيرها، ففي سورة الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)، وفي سورة الذاريات: (هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ)، فلقد ذكرت كلمة (الوجل) عند دخولهم وتسليمهم عليه، ولكن كلمة (الإيجاس بالخوف) جاءت في السياق القرآني بعد ذلك حينما امتنعوا عن الأكل.

وهكذا نجد أن كلاً من الوجل والخشية والإشفاق لا يمكن أن تفسر بالخوف.

ـ[عبدالله الرابغي]ــــــــ[26 Aug 2006, 05:37 م]ـ

شكرا لك أ. روضة،

مالمقصود بـ" فوات"؟

هل يمكنني أن أختصر ما سبق فيما يلي:

* يمكن أن يفرق بين الخشية والخوف بأن يقال: الخوف من ضعف الخائف والخشية من عظم المختشى. والخشية أشد من الخوف (السيوطي)

* أو أن يقال إن الخشية خوف مع أمل (محمد رشيد رضا) ويمكن الجمع بين هذين.

* الاشفاق: عناية مشوبة بخوف، وقد يغلب أحد الجانبين بحسب السياق.

* الوجل هو من مقدمات الخوف وبداياته.

وآمل أن تضيف "الرهبة".

أكرر لك شكري وامتناني

ـ[روضة]ــــــــ[27 Aug 2006, 08:01 م]ـ

ما قيل من أن الخشية فوات بالكلية والخوف نقص وليس بفوات: (شجرة خشية، أي يابسة، وهو فوات بالكلية. وناقة خوفاء، أي بها داء وهو نقص، وليست بفوات).

فالمقصود به أن الخشية تبلغ غاية أعلى من الخوف، فحين توصف الشجرة بأنها خشية فهذا يعني أنه لا فائدة منها ألبتة، فقد فاتت الفائدة منها بالكيلة، على حين أن الناقة حين توصف بأنها خوفاء، فهذا لا يعني فوات الفائدة منها نهائياً، وإنما هو نقص وداء، قد يزول.

وهذا تعبير عن التفاوت بين مرتبتي الخشية والخوف، وأن الخشية أشد من الخوف.

والله أعلم.

أما الرهبة ...

قال أبو الهلال العسكري: إن الرهبة هي طول الخوف واستمراره، لذلك قيل للراهب: راهب؛ لأنه يديم الخوف.

وأصله من قولهم: جمل رَهْبٌ، إذا كان طويل العظام مشبوح الخلق.

ـ[عبدالله الرابغي]ــــــــ[28 Aug 2006, 04:47 م]ـ

تمّمَ اللهُ عليكَ النّعمى، وأقرَّ عينكَ، ورزقكَ السعادةَ في المالِ والأهلِ والولدِ، وحفِظَ عليكَ نفسكَ وعقلكَ ودينكَ

شكرا جزيلا

ـ[روضة]ــــــــ[28 Aug 2006, 07:37 م]ـ

آمين، ولكم مثل ذلك وأفضل إن شاء الله.

وأحسن الله إليكم.

ـ[مهند شيخ يوسف]ــــــــ[31 Aug 2006, 10:25 م]ـ

حقًّا بارك الله فيكم!

ـ[منصور مهران]ــــــــ[05 Sep 2006, 02:05 م]ـ

جاء في كلام الأستاذة / روضة؛ في السطر الأول منه اسم كتاب (الفروق اللغوية) للراغب الأصفهاني، وورد رقم صفحة الإحالة 270

ونأمل من الكاتبة التكرم ببيانات وافية عن هذا الكتاب؛ حيث إني لم أره من قبل، وكل ما أعرفه عن عنوان الكتاب أنه يشبه عنوان كتاب أبي هلال العسكري، فليت شعري: أهو وهمٌ في النسبة؟ أم هو كتاب آخر؟ برجاء الإيضاح ونحن للكاتبة الموقرة من الشاكرين.

ـ[روضة]ــــــــ[05 Sep 2006, 02:12 م]ـ

الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، ونَسَبْتُه سهواً للراغب الأصفهاني، فشكراً للتنبيه، ومعذرة على السهو والخطأ غير المقصود.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير