تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا تقرر هذا اتضح معنى آخر وهو أن الشمس لا تسجد تحت العرش عند كل غروب تغربه عن أنظار كل بلد، فإن هذا هو اللبس الذي ينشأ عند من فهم أن الشمس تسجد عند كل غروب يراه أهل كل قطر، ولو كان الأمر كذلك لكانت ساجدة على الدوام ولاستنكر أهل الأرض ذلك، ولذلك جاءت فائدة الاحتراز من هذا الاحتمال في رواية مسلم (ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا). والشمس إنما تسجد مرة واحدة وذلك عند محاذاتها لباطن عرش الرحمن، كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية. ويؤيد هذا قول الحافظ ابن حجر في الفتح (قلت (الحافظ): وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري. والله أعلم).

قلت: وقول الحافظ (كل يوم وليلة) أي كل أربع وعشرين ساعة وهي فترة دوران الشمس حول الأرض دورة كاملة (أو على قول من يؤول الأدلة ويرى ثبات الشمس: فترة دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة).

ولذلك قال الإمام الخطابي – كما نقله الحافظ في الفتح - رحمه الله (يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن ... وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها).

وعند محاذاتها لباطن العرش فإنها تكون عندئذٍ مقابل سمت أو حد من الأرض يحدث عند مواجهته السجود المذكور. ولكن هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- لا قِبَل للناس بمعرفة مكانه. قال رحمه الله في "التحرير والتنوير" في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم": ((وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعاً لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي)) ا. هـ.

وقال الحافظ – رحمه الله - في الفتح في شأن المحاذاة التحتية (وأما قوله " تحت العرش " فقيل هو حين محاذاتها. ولا يخالف هذا قوله: (وجدها تغرب في عين حمئة) فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب)

وقال الطيبي رحمه الله - كما نقله صاحب تحفة الأحوذي - بشأن حقيقة الاستقرار (وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده , وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه. لأن علمنا لا يحيط به (.

وهذا السمت أو الحد أو المنتهى المعبر عنه في الحديث بحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت الذي في الحديث) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خط الطول الممتد من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها فإذا حاذت الشمس هذا السمت الذي هو منتهى سيرها اليومي مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها أن توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم استنكار الناس من أمرها شيئا كما جاء في الحديث (ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا).

فائدة من كتاب "الأنوار الكاشفة":

وجدت للعلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في كتابه الثمين "الأنوار الكاشفة" توجيهاً مفيداً لمعنى الحديث، وحديث سجود الشمس قد طعن فيه أبو ريّة في كتابه المسمى ب "أضواء على السنة"، وكان مما سطره المعلمي ضمن ردّه هذه الفائدة الحديثية، قال رحمه الله (وهناك رواية البخاري عن الفرباني عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال ((تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن .. )) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال ((حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة .. .))، فقد يقال لعل أصل الثابت عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إ براهيم التيمي ظنّ اتفاق معناها فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه وأبو معاوية على آخر، والله أعلم)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير