تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بسم الله والحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد

جزاك الله خيرا على هذه الملاحظة، وقد كانت حاضرة في ذهني والجواب عليها موجود ولكني لم أرد تشعيب البحث وتفريعه لغير المتخصص، أما الآن وقد أشرت إليها فلا بد من الجواب عن هذا الإشكال الذي قد ينطلي على البعض وترك مثل هذه الأمور دون جواب قد يضر أكثر مما لو تركت بلا جواب. أقول وبالله أستعين:

قد استشكلت أيها السائل الفاضل أمر إمكانية سجود الشمس في أجزاء من الثانية وأن النتيجة التراكمية لهذه الأجزاء ستظهر مع مرور الوقت وانقضاء الأزمان.

أقول: استشكال صحيح. ولكن هنا ثلاثة أمور ينبغي التنبه لها:

1 - أني لم أجزم بأن هذا هو المخرج الوحيد لحل هذا لإشكال، وإنما وضعته لبيان عدم الامتناع وإلا فقد تسجد باعتبار آخر غير اعتبار الثوان وأجزاءها.

2 - عن أي جزء من الثانية نتحدث؟ اعلم أيها الفاضل أن أجزاء الثانية لم تكتشف كلها بعد ولذلك لما اكتشفت وحدة "النانو" ثانية لم يكن يخطر ببال من في ذلك الوقت إمكانية اكتشاف وحدة "الفمتو" ثانية وهي الوحدة التي توصل إليها مؤخراً العالم المصري أحمد زويل وزملائه، فلا يمنع أن يكون هناك وحدات زمنية أقل وأقل ولكن يمنع من اكتشافها ضعف الإمكانات البشرية. ومن المعلوم أن الملائكة تقطع المسافة الهائلة بين السماء والأرض في وحدات زمنية قصيرة جداً قد يستحيل على العقول اكتشافها مما يدل على وجود وحدات زمنية أقل بكثير من وحدة "الفمتو" الثانية وكما قال الله تعالى وفوق كل ذي علم عليم.

3 - تقرر في علم الفلك مسألة مهمة - و هي أهم ما في الموضوع - تتعلق بسرعة دوران الأرض (أو الشمس) وهو أنها تتباطأ بأجزاء ضئيلة للغاية من من الثانية كل يوم وهذا التباطؤ وإن عبر عنه العلماء بأنه كل كذا عدد من السنين إلا أنه يمكن توزيع هذا العدد وتقسيمه على عدد الأيام، ولذلك فهذا التباطؤ المستمر مع مرور الوقت يمنع إمكانية إدراك الآثار التراكمية لأجزاء الثانية، فيكون هناك تناسباً طردياً بين الإثنين: كلما تباطأ الدوران كلما زاد فرق المسافة الضوئية التي تساعد على اضمحلال فرق الثوان بين الشمس والأرض. ويسمي العلماء هذه الظاهرة ( Earth's rotation slowing down) ، ونقلاً عن إحدى المواقع المتخصصة يقولون ( The rotation has slowed roughly only by 2 milliseconds since 1820) أي منذ عام 1820 تباطأت سرعة دوران الأرض بمقدار 2 ميللي ثانية. [1] ولذلك يكون استنتاجك صحيحاً في حالة ثبات سرعة دوران كل من الشمس أو الأرض، فعند الثبات يظهر الفرق مع مرور الوقت أما مع وجود هذا التفاوت الذي يلغي إمكانية مشاهدة الفرق فحتى العلماء لا يستطيعون ملاحظته بالحس والتجربة لأن عملية التعويض بسبب التفاوت مستمرة لا تنقطع وكأنه يخيّل إلى الملاحظ المتابع أنه لا يوجد أي فرق على الإطلاق.

ولذلك فسجود الشمس لا بد وأن يحصل ولا بد أن يكون في زمن معين ولكن من شرط هذا الزمن المعين ألاّ يتسبب في حصول "استنكار الناس" - كما في الحديث - فلا مناص إذاً من القول بأنها وحدة زمنية ضئيلة للغاية وتبقى مشكلة أن الناس يريدوه سجوداً مرئياً مشهوداً واضحاً كما يسجد الآدمي المطمئن في الصلاة المفروضة. ولذلك قرر بعض العلماء أن الشمس تسجد وهي "سائرة" دون توقف، كالحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، واستدل بقراءة ابن عباس ((والشمس تجري لا مستقر لها) والقراءة المشهورة هي ((والشمس تجري لمستقر لها)). فقال: على القراءة الأولى تسجد وهي سائرة، إلا أن البعض أشار إلى شذوذ هذه القراءة. [2]

وقد بينت لك أخي الكريم الظاهرة الفلكية - على ما أدّاني إليه اجتهادي- التي تمنع من مشاهدة هذا الفرق المتراكم للزمن عبر الوقت.

أستغفر الله من الزلل والخلل، والحمد لله رب العالمين.

============================

[1] http://novan.com/earth.htm

[2] ولعل المشايخ الفضلاء في الملتقى يفيدونا حول هذه المسألة.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Sep 2006, 04:31 م]ـ

جزاك الله خيراً أخي الكريم عبدالله، فقد أفدت من قراءة هذا المقال بارك الله فيكم ونفع بكم.

وأما قراءة (لا مستقر لها) فهي قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أيضاً، وعكرمة مولى ابن عباس، وقراءة عليّ بن الحسين، وقراءة الشيزري عن الكسائي. وهي من القراءات الشواذ بحسب اصطلاح القراء.

ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[07 Sep 2006, 04:36 م]ـ

جزاك الله خيرا على هذه الإفادة ونفع الله بعلومكم.

ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[07 Sep 2006, 06:47 م]ـ

قال القرطبي - رحمه الله - في الجامع:

((وقرأ ابن مسعود وابن عباس " والشمس تجري لا مستقر لها " أي إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار , إلى أن يكورها الله يوم القيامة. وقد احتج من خالف المصحف فقال: أنا أقرأ بقراءة ابن مسعود وابن عباس. قال أبو بكر الأنباري: وهذا باطل مردود على من نقله ; لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عباس , وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عباس " والشمس تجري لمستقر لها " فهذان السندان عن ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع - يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة , وما اتفقت عليه الأمة. قلت: والأحاديث الثابتة التي ذكرناها ترد قوله , فما أجرأه على كتاب الله , قاتله الله. وقوله: " لمستقر لها " أي إلى مستقرها , والمستقر موضع القرار)) أ. هـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير