تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بِضَمِّ الْهَاء وَتَخْفِيفهَا , وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِتَشْدِيدِ الْهَاء وَفَتْحهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاء وَضَمّهَا فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إلَى: وَلَا تَقْرَبُوا النِّسَاء فِي حَال حَيْضهنَّ حَتَّى يَنْقَطِع عَنْهُنَّ دَم الْحَيْض وَيَطْهُرْنَ. وَقَالَ بِهَذَا التَّأْوِيل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 3417 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ: ثنا ابْن مَهْدِيّ وَمُؤَمِّل , قَالَا: ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قَالَ: انْقِطَاع الدَّم. 3418 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ سُفْيَان أَوْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم عَنْهُنَّ. 3419 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ: ثنا عُبَيْد اللَّه الْعَتَكِيّ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قَالَ: حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِتَشْدِيدِ الْهَاء وَفَتْحهَا , فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ بِالْمَاءِ وَشَدَّدُوا الطَّاء لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى الْكَلِمَة: حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الطَّاء لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ: " حَتَّى يَطَّهَّرْنَ " بِتَشْدِيدِهَا وَفَتْحهَا , بِمَعْنَى: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ , لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى الرَّجُل أَنْ يَقْرَب امْرَأَته بَعْد انْقِطَاع دَم حَيْضهَا حَتَّى تَطْهُر. وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي التَّطَهُّر الَّذِي عَنَاهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , فَأَحَلَّ لَهُ جِمَاعهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ , وَلَا يَحِلّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبهَا حَتَّى تَغْسِل جَمِيع بَدَنهَا. وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ الْوُضُوء لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ غَسْل الْفَرْج , فَإِذَا غَسَلَتْ فَرْجهَا فَذَلِكَ تَطَهُّرهَا الَّذِي يَحِلّ بِهِ لِزَوْجِهَا غِشْيَانهَا. فَإِذَا كَانَ إجْمَاع مِنْ الْجَمِيع أَنَّهَا لَا تَحِلّ لِزَوْجِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّم حَتَّى تَطْهُر , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ أَنْفَاهُمَا لِلَّبْسِ عَنْ فَهْم سَامِعهَا , وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي اخْتَرْنَا , إذْ كَانَ فِي قِرَاءَة قَارِئِهَا بِتَخْفِيفِ الْهَاء وَضَمّهَا مَا لَا يُؤْمَن مَعَهُ اللَّبْس عَلَى سَامِعهَا مِنْ الْخَطَأ فِي تَأْوِيلهَا , فَيَرَى أَنَّ لِلزَّوْجِ غِشْيَانهَا بَعْد انْقِطَاع دَم حَيْضهَا عَنْهَا وَقَبْل اغْتِسَالهَا وَتَطَهُّرهَا. فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا: وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيض , قُلْ هُوَ أَذًى , فَاعْتَزِلُوا جِمَاع نِسَائِكُمْ فِي وَقْت حَيْضهنَّ , وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَيَتَطَهَّرْنَ مِنْ حَيْضهنَّ بَعْد انْقِطَاعه.

وقال فيما وافق خط المصحف.

. وَالطَّيْر جَمْع طَائِر. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْحِجَاز: " كَهَيْئَةِ الطَّائِر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا " , عَلَى التَّوْحِيد. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: {كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا} عَلَى الْجِمَاع كِلَيْهِمَا. وَأَعْجَب الْقِرَاءَات إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ: {كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا} عَلَى الْجِمَاع فِيهِمَا جَمِيعًا , لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ صِفَة عِيسَى أَنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّه , وَأَنَّهُ مُوَفَّق لِخَطِّ الْمُصْحَف , وَاتِّبَاع خَطّ الْمُصْحَف مَعَ صِحَّة الْمَعْنَى , وَاسْتِفَاضَة الْقِرَاءَة بِهِ أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ خِلَاف الْمُصْحَف.

وهنا تنبيه مهم وهو ان ابن جرير لم يصله تواتر بعض القراءات. فلا يعول على انكاره بعضها , لانه لم يصله تواترها. وهو يرد ما لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها. وقد ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى عن امرأة العزيز قولها:"هيت لك"

وكما أنه من المعلوم أن ابن جرير أورد الآثار دون التزام بصحة الأخبار المنقولة. فنجده ينقل العديد من الاحاديث الضعيفة كحديث الغرانيق وحديث طلاق زيد لزينب في رؤية النبي لها وقد نبه ابن كثير رحمه الله في تفسيره على بعض ذلك.وما انطبق على الحديث ينطبق على الآثار عن الصحابة والتابعين في السند.

وكذلك فان تفسيره رحمه الله لا يخلوا من الاسرائيليات فبعضها في التفسير كما في تفسيره لقوله تعالى "وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"فقد ذكر بعض الاسرائيليات التي تذكر الحية. ولم يثبت في ذلك شيء في السنة. وانما هي من كتب أهل الكتاب.نقلها من كان على دينهم ثم أسلم أو من حدث عنهم. وإذا لم تخالف هذه الاسرائيليات كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا فإن العلم بها لا ضير فيه. كم صح عن النبي في قوله عن ذلك في الحديث المعروف.

هذا ما جمعته مما يحضرني في تفسير ابن جرير سائلا المولى عز وجل أن يتغمده برحمته ويجمعنا وإياه في جنات النعيم بفضله وكرمه مع نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير