وروى أشهب أحبية تركه في النفل أيضاً، وروى ابن حبيب يتعوذ في أولى النافلة فقط، واستحبه هو في كل ركعة منها.
وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل إلى أن الاستعاذة للقراءة لا للصلاة. بينما أبو يوسف ذهب إلى أنها للصلاة.
وقال الإمام مالك: لا يستعاذ إلا في قيام رمضان فقط، وهو قول لا يعرف لمن قبله.
وإذا تعوذ في الصلاة، ففي جواز الجهر به وكراهته قولان روايتا ابن حبيب وأشهب عن مالك.
وللقراء في الجهر به مطلقاً مذهبان. اختيار الشاطبي الجهر في القراءة الجهرية فقط إظهاراً لشعيرة القراءة، كالجهر بالتلبية، وتكبير العيد إظهاراً لشعيرة النسكين، ولفظه:
إَذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرأُ فَاسْتَعِذْ **جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللَِّه مُسْجَلاَ
ومن ثم فإن لفظ الاستعاذة الوارد في سورة النحل يكون بالله، كما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعوذ بالله السميع من الشيطان الرجيم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يابن أم عبد، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وروى نافع عن جبير بن مطعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
وهذان الحديثان ضعيفان. قال أبو شامة: وألأول لا أصل له في كتب الحديث، والثاني أخرجه أبو داود، ولكن بغير هذه العبارة.
وحيث إن الأمر كذلك فإن الزيادة لا مانع منها حسب ما ورد في النشر في القراءات العشر لابن الجزري رحمه الله، بناء على التفصيلات التالية:
1 - (أعوذ بالله السميع من الشيطان من الشيطان الرجيم) نص عليها الحافظ أبو عمرو الداني في جامعه، وقال: إن على استعماله عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيين والشام، ورواه أبو علي الأهوازي أداء عن الأزرق بن الصباح، وعن الرافعي عن سليم، وكلاهما عن حمزة، ونصاً عن أبي حاتم السجستاني. ويؤيد هذا الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيد بإسناد جيد.
2 - (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم) ذكره الداني أيضاً في جامعه عن أهل مصر وسائر بلاد المغرب، وقال: إنه استعمله منهم أكثر أهل الأداء ........ وأضاف قائلا: وعلى ذلك وجدتُ أهل الشام في الاستعاذة إلا أني لم أقرأ بها عليهم من طريق الأداء.
3 - (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع البصير) رواه الأهوازي عن أبي عمرو، وذكره أبو معشر عن أهل مصر والمغرب.
4 - (أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم) رواه الخزاعي عن هبيرة، عن حفص، وقال: وكذا في حفظي عن ابن الشارب عن الزينبي عن قنبل، وذكره الهذلي عن ابي عدي عن ورش.
5 - (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم) رواه الهذلي عن الزينبي، عن ابن كثير.
6 - (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم) ذكره الأهوازي عن جماعة.
7 - (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأستفتح الله وهو خير الفاتحين) رواه الحسين الخبازي عن شيخه أبي بكر الخوارزمي، عن ابن مقسم، عن إدريس عن خلف عن حمزة.
8 - (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) رواه أبو داود في الدخول إلى المسجد عن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن لطائف الاستعاذة كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له، وهو يتهيأ لتلاوة كلام الله، وهي استعانة بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يداري بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان ........... وأضاف قائلا: ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً، ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزروراً ....... ).
والله أعلم، والسلام عليكم
*مصادر المداخلة:
1 - مقدمة تفسير ابن كثير
2 - النشر في القرءات العشر.
3 - رسالة في تفسير قوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) للطبيب بن كيران الفاسي المغربي / الرسالة مخطوطة، وهي في المرحلة الأخيرة من التحقيق.
4 - الوافي في تفسير الشاطبية لفضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضي.
* الدكتور الهاشمي برعدي الحوات.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[24 Sep 2006, 04:48 م]ـ
أحسن الله تعالى إليك يا شيخ برعدي
ولكن الإشكال عندي هو ورود تلك الصيغة في افتتاح الصلاة فقط, ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذته بها في غر الصلاة, أما الصيغ الثمان الواردة في النشر ففي كلها زيادةُ تنزيه لله تعالى, خلافا لتلك الصيغة.
وقد بلغني أن الشيخ الألباني رحمه الله كان يستعيذ بالصيغة المذكورة خارج الصلاة ولا أعلم صحة ثبوت ذلك ..