لقد ذكر النووي كلاما عن أحوال السلف الصالح في تلاوتهم للقرآن الكريم، وتطرق للمسألة السابقة، وهذا نص كلامه وإن كان فيه شيء من الطول لكن من أجل الفائدة:
((ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها، وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرين في كل سبع ليال وعن بعضهم في كل ست وعن بعضهم في كل خمس وعن بعضهم في كل أربع وعن كثيرين في كل ثلاث وعن بعضهم في كل ليلتين وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين ومنهم من كان يختم ثلاثا وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا بالليل وأربعا بالنهار! فمن الذين كانوا يختمون ختمة في اليوم والليلة: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سُليم بن عتر رضي الله عنه -قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه -فروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في كل ليلة ثلاث ختمات. وروى أبو عمر الكندي في كتابه في "قضاة مصر" أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
وقال الشيخ الصالح أبو عبدالرحمن السلمي رضي الله عنه سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة.
وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زادان -من عباد التابعين رضي الله عنه -أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضا فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئاً! وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل.
وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهدا كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء في كل ليلة من رمضان.
وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان.وعن إبراهيم بن سعد قال كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.
وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين: عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين كعبدالرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
والاختيارأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له به كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة)) أ. هـ التبيان في آداب حامل القرآن.
والذي يظهر من هذا أن السلف كانوا يستغلون الأوقات الفاضلة كرمضان وعشر ذي الحجة في القراءة لتحصيل الأجر المترتب على القراءة فقط (من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) ولم يذكر في الحديث أن الأجر مترتب على التفكر وإنما هو على القراءة.
وقد ذكر الشيخ عبد الكريم الخضير في محاضرة له بأنه يعرف من يصلي الفجر ثم يتكئ على سارية المسجد فما يؤذن المؤذن للظهر إلا وقد ختم القرآن!
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. آمين