تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعلم منزلة / من منازل السّالكين، إِن لم يصحبه السّالك من أَوّل قَدَم يضعه، إِلى آخر قدم ينتهى إِليه يكون سلوكه على غير طريق موصِّل، وهو مقطوع عليه ومسدود عليه سُبُل الهدى والفلاح، وهذا إِجماع من السادة العارفين. ولم ينه عن العلم إِلاَّ قُطَّاع الطَّريق ونُوَّاب إِبليس.

قال سيّد الطَّائفة وإِمامهم الجُنَيد -رحمه الله-: الطُّرُق كلُّها مسْدودة على الخَلْق إِلاَّ من اقتفَى أَثَر رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وقال: منْ لَمْ يحفظ القرآنَ ولم يكتب الحديث لا يُقتدَى به فى هذَا الأَمر؛ لأَن عِلمنا مقيّد بالكتاب والسنَّة. وقال أَبو حفص: من لم يزِن أَفعاله وأَقواله فى كلّ وقت بالكتاب والسنَّة ولم يتَّهم خواطره لا يعدّ فى ديوان الرِّجال. وقال أَبو سليمان الدّارانى: ربَّمَا يقعُ فى قلبى النُكْتة من نُكَت القوم أَيّامًا فلا أَقبل منه إِلاَّ بشاهدين عدلين: الكتاب والسنَّة. وقال السّرىُّ: التصوّف اسم لثلاثة معان: لا يطفىءُ نورُ معرفته نورَ ورعه. ولا يتكلَّم فى باطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك أَستار محارم الله. وقال الجنيد: لقد هممت مرة أَن أَسأَل الله تعالى أَن يكفينى مُؤنة النِّساءِ، ثم قلت: كيف يجوز أَن أَسأَل هذا ولم يسأَله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أَسأَله، ثمّ إِنَّ اللهَ تعالى كفانى مُؤنة النساءِ حتى لا أُبالى أستقبلتنى امرأَة أَو حائط. وقال: لو نظرتم إِلى رجل أُعطى من الكرامات أَن تربَّع فى الهواءِ فلا تغترُّوا به حتىَّ تنظروا كيف تجدونه عند الأَمر والنهى وحفظ الحدود وآداب الشريعة. وقال النُّورىّ أَبو الحسين: من رأَيتموه يدّعى مع الله حالةً تُخرجه عن حدّ العلم الشرعىّ فلا تقربُوه. وقال النصر أَبادى: أَفضل التصوف ملازمة الكتاب والسنَّة، وترك الأَهواء والبِدَع، وتعظيم كرامات

المشايخ، ورؤْية أَعذار الخَلْق، والمداومة على الأَورَاد، وترك ارتكاب الرُّخَص والتأْويلات.

والكلمات الَّتى تُروى عن بعضهم فى التزهيد فى العلم فمن أَنفاس الشيطان، كمن قال: نحن نأْخذ علمنا من الحىّ الَّذى لا يموت، وأَنتم تأخذونه من حَىّ يموت. وقال آخر: العلم حجاب بين القلب وبين الله. وقال آخر: إِذا رأَيت الصّوفىَّ يشتغل بحدّثنا وأَخبرنا فاغسِل يدك منه. وقال آخر: لنا علم الحروف ولكم علم الورق. وقيل: لبعضهم: أَلا ترْحل حتى تسمعَ من عبد الرزَّاق فقال: ما يصنع بالسمّاع من عبد الرزَّاق مَن يسمع من الخلاَّق؟! وأَحسن أَحوال قائل مثل هذه أَن يكون جاهلاً يُعذر بجهله، أَو والها شاطحا مصرفاً بسخطه، وإِلاَّ فلولا عبد الرزَّاق وأَمثاله من حفَّاظ السنة لما وصل إِلى هذا وأَمثاله شىء من الإِسلام، ومن فارق الدليل ضلَّ عن السّبيل. ولا دليل إِلى الله والجنَّة إِلاَّ الكتاب والسنة.

والعلم خير من الحال. الحال محكوم عليه والعلم حاكم، والعلم هادٍ والحال تابع. الحال سيف فإِن لم يصحبه علم فهو مِخْراق لاعب. الحال مركوب لا يجارَى، فإِن لم يصحبه علم أَلقى صاحبه فى المتالف والمهالك. دائرة العلم تسع الدّنيا والآخرة، ودائرة الحال ربَّما تضيق عن صاحبه. العلم هادٍ والحال الصّحيح مهتدٍ به. فهو تركة الأَنبياء / وتُراثهم.، وأَهله عَصَبتهم ووُرّاثهم، وهو حياة القلب، ونور البصائر، وشفاءُ الصّدور، ورياض العقول، ولذَّة الأَرواح، وأُنْس المستوحِشين، ودليل المتحيّرين. وهو الميزان الَّذى يوزن به الأَقوال والأَفعال والأَحوال. وهو الحاكم المفرِّق بين الشَّك واليقين، والغَىّ والرّشاد، والهُدَى والضلال، به يعرف الله ويعبد، ويُذْكر ويوحّد. وهو الصّاحب فى الغُربة، والمحدِّث فى الخلوة، والأَنيس فى الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغِنَى الَّذِى لا فقر على من ظفر بكنزه، والكَنَفُ الذى لا ضَيْعة على من أَوى إِلى حِرْزه. مذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قُرْبة، وبذله صدقة، ومدارسته تُعدل بالصّيام والقيام، والحاجة إِليه أَعظم من الحاجة إِلى الشَّرَاب والطعام؛ لأَن المرء يحتاج إِليهما مرة أَو مَرَّتين فى اليوم، وحاجته إِلى العِلْم كعدد أَنفاسه، وطلبه أفضل من صلاة النافلة، نصّ عليه الشافعىّ وأَبو حنيفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير