تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هارباً مدبراً من شدَّة الهزيمة النفسية التي حلت به ().

ولو اطرد هذا السياق القرآني فكان "ثم قال إن هذا إلا سحر يؤثر". لدل على أن هذا القول قد قاله بعد إعمال فكر وتريث، ونظر واعتقاد ويقين، وليس الأمر كذلك.

ومنه أيضاً قوله تعالى: ?فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى? [طه: 20].

فقد جاء التعبير -في هذا السياق- عن تولي فرعون وجمعه الجموع والحشود والأعوان، وكل ما يستطيعه من كيد بحرف العطف الفاء، فقال: "فتولى .. فجمع .. "، ثم عدل في التعبير عن إتيان فرعون ومواجهته موسى عليه السلام إلى حرف التراخي (ثم)، حيث قال: "ثم أتى". وكان مقتضى السياق أن يكون "فتولى فرعون فجمع كيده فأتى"، لا سيما أن جمع الناس وحشدهم والإعداد للمواجهة يحتاج إلى مهلة من الزمن، في حين أن الإتيان بعد ذلك هو أيسر وأسهل، وكان التعبير في هذا السياق يقتضي العكس بأن يقول (ثم جمع كيده فأتى)، فمثل التعبير في هذا السياق خروجاً عن مقتضى الظاهر، وذلك لدلالة نفسية عميقة يوحي بها هذا السياق.

مفادها أن الجمع كان أهون على فرعون من مواجهة موسى عليه السلام، فدلت (الفاء) في قوله: "فجمع" إلى سرعة تحقق الجمع له وحشد الناس؛ لكونه ملكاً جباراً يخشى سطوته الجميع، فأمره بالجمع نافذ وسريع. وهو مع هذا كله يعيش هزيمة نفسية كبيرة في داخله من مواجهة موسى عليه السلام، فهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى؛ لذا عبر القرآن عن هذه الهزيمة النفسية بحرف التراخي (ثم) بقوله: "ثم أتى". وإلى هذه النكتة في العدول أشار أبو السعود بقوله (): "وفي كلمة التراخي إيحاء إلى أنه لم يسارع إليه، بل أتاه بعد لأي وتلعثم".

وهو ما سرى في نفوس قوم فرعون وأعوانه أيضاً في قولهم: ?فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً? [طه: 64]، "وكأني بهم وهم يطيلون زمن النطق بـ (ثم) قبل الدعوة إلى لقائه يستهلكون الوقت، ويتهربون من المواجهة ويتمنون ألا تكون" ().

ـ[أحمد القصير]ــــــــ[16 May 2007, 02:41 م]ـ

بارك الله فيك اخي د. عبد الله جهد رائع وموفق ونحن بحاجة لمثل هذه البحوث التي تعنى بكشف وجوه الإعجاز القرآني ولي طلب آمل أن تتفضلوا بقبوله وهو تنزيل مثل هذه البحوث على ملفات وورد في آخر المشاركة ليتسنى لنا حفظها بارك الله فيكم.

ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[16 May 2007, 06:30 م]ـ

جزاكم الله خيرا، وأقترح أن تُنْقَلَ مواضيع هذه السلسلة إلى " المتلقى العلمي للتفسير وعلوم القرآن ".

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير