[الاختيار والترجيح أهميتهما وأثرهما في التفسير]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[15 May 2007, 08:45 ص]ـ
الاختيار والترجيح وأثرهما في علم التفسير:
الناظر في أقوال السلف في تفسير القرآن، والقارئ لكتب التفسير يجد أن الكثير من الآيات تحتمل أكثر من قول. وهذه الأقوال التي ترد في التفسير متفاوتة في القوة، ومختلفة في المعنى، كما أنه يوجد فيها أقوال يناقض بعضها بعضاً.
والكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، وفيها الباطل الواضح والحق المبين ([1])، كما أنها مشتملة على أقوال في منزلة متوسطة بين المنزلتين.
والدارس للتفسير يحتاج للتمييز بين هذه الأقوال، ويحرص على معرفة الصحيح من الضعيف، والراجح من المرجوح، كما أنه يبحث عن الأقوى من الأقوال، والأقرب إلى المراد ليقدمه على غيره. وبهذا تتفاوت منازل أهل العلم بالتفسير؛ فكما قيل: ليس الفقه أن تعلم الخير من الشر، وإنما الفقه أن تعلم خير الخيرين، وشر الشرين. وتلك مرتبة عالية من مراتب العلم، يوفق الله U لها من شاء من عباده.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة للترجيح بين الأقوال، والاختيار للأقوى منها حتى يقدم على غيره، ويوضع في منزلته.
فما المراد بكل من الاختيار والترجيح؟ وما الفرق بينهما؟ وما أثرهما في التفسير؟
هذا ما أرجو إيضاحه من خلال الفقرات التالية:
1 - تعريف الاختيار والترجيح، والفرق بينهما:
أولاً: تعريف الاختيار:
الاختيار في اللغة مصدر اختار يختار، و (الخاء والياء والراء أصله العطف والميل) ([2])، وخار الشيءَ واختاره: انتقاه، واخْتَرْت فلاناً على فلان: عُدِّيَ بعلى لأَنه في معنى فَضَّلْتُ. والاختيار: الاصطفاء، وكذلك التَّخَيُّرُ. ([3])
والاختيار كذلك: طلبُ ما هو خيرٌ، وفعلُه. قال الله U : ? وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ? (الدخان:32)، أي: قدمناهم على غيرهم، واصطفيناهم من بينهم. ([4])
قال شيخ الإسلام: (والاختيار في لغة القرآن يراد به التفضيل، والانتقاء، والاصطفاء كما قال تعالى: ? فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى = إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى = وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ? (طه:11 - 13) ... ) ([5])
وتعريف الاختيار في الاصطلاح لا يختلف عنه كثيراً في اللغة؛ وأكثر من يستعمل الاختيار كاصطلاح علمي له مدلوله أئمة القراءات؛ فالاختيار عندهم يراد به: (ملازمة إمام معتبر وجهاً أو أكثر من القراءات؛ فينسب إليه على وجه الشهرة والمداومة، لا على وجه الاختراع والرأي والاجتهاد.) ([6])
ومعلوم أن اختلاف القراء يفترق عن اختلاف غيرهم من أهل العلوم الأخرى؛ فإن اختلاف القراء يكون بين قراءات كلها حق وصواب. ([7]) وهذا يدل على أن اختيار أحدهم القراءة لا يعني ردّ أي قراءة ثابتة غيرها.
وأما الاختيار في اصطلاح المفسرين؛ فلم أرَ من حرره من المتقدمين، واستعمالُ المفسرين له يدل على أنه بمعنى الترجيح، حيث يستعملونه في ترجيح قول على آخر، سواء على وجه التقديم واختيار الأولى أم على وجه تصحيح القول المرجّح، ورد القول الآخر.
وقد عرّف الدكتور حسين الحربي الاختيار بقوله: (والمراد بالاختيار في التفسير: الميل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية، مع تصحيح بقية الأقوال.) ([8])
وفي هذا التعريف نظر لوجهين:
الأول: أن مجرد الميل إلى أحد الأقوال لا يصلح أن يكون سبباً للاختيار؛ لأن الاختيار المعتبر لا يكون إلا بعد بذل الجهد، والنظر في الأقوال التي يتخير منها، ثم يختار ما يرى أنه الأولى والأقوى. فلا يكون للاختيار قيمة إلا إذا كان مبنياً على التروي والتفكر والنظر، وليس ناشئاً عن ميل سابق أو هوى غالب.
جاء في تفسير الرازي: (الاختيار هو أخذُ الخير من أمرين، والأمران اللذان يقع فيهما الاختيار في الظاهر لا يكون للمختار أولاً ميل إلى أحدهما، ثم يتفكر ويتروى، ويأخذ ما يغلبه نظره على الآخر.) ([9])
وقال ابن عاشور: (فالاختيار هو تكلف طلب ما هو خير.) ([10])
¥